نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2015م ( عن المنطقة العربية )
أضحت نزوى من أهم المراكز العلمية والثقافية منذ القرون الأولى للهجرة النبوية، وبالتحديد عندما اتخذها العُمانيون عاصمة لهم في سنة 177 هـ/ 793 م. ومنذ ذلك الحين، سكنها أغلب الأئمة والعلماء الذين ساهموا بدرجة كبيرة في ازدهار الحياة العلمية والثقافية، وقد ازدانت نزوى بالعلم وعمرت بالعلماء، وأُطلق عليها اسم »تخت العرب« و »بيضة الإسلام«، وذلك لكثرة العلم والعلماء فيها.
منظر لمدينة نزوى
وقد ساهمت نزوى في بناء صرح الحضارة الإسلامية عبر العصور، وكان لها نشاط واضح في ميادين العلوم. كما كان لأهل عُمان بصفة عامة، نصيب وافر فيما تركته الأمة الإسلامية من كنوز علمية وثقافية، حيث قام العُمانيون في القرون الأولى بدور بارز في مجال الإنتاج الفكري والاتصال بأنحاء العالم الإسلامي. وتدل الوثائق الباقية دلالة قاطعة على أن العُمانيين ألفوا في ميدان الفقه والحديث منذ القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، مما يؤكد أنهم كانوا سباقين في هذا الميدان.
الموقع :تتميز نزوى بموقعها الاستراتيجي، إذ تقع على سفح الجبل الأخضر من جهته الجنوبية، وتحدها ولاية أزكى من الجهة الشرقية، والجبل الأخضر من الجهة الشمالية، وولاية بهلا من الجهة الغربية، وولاية منح من الجهة الجنوبية، وتتعدد طبوغرافية نزوى، فمنها السهول المنبسطة، والواحات الخضراء، والحدائق التي ترويها الأفلاج والآبار التي تنساب من الأودية والشعاب.
مدينة نزوى
أهمية مدينة نزوى في العصر الإسلامي :
اتخذ الأئمة نزوى عاصمة لهم منذ القرن الثاني الهجري، في عهد الإمام محمد بن عبد الله بن أبي عفان اليحمدي، وبالتحديد في غرة شوال سنة سبع وسبعين ومائة للهجرة. ولم تتغير أهميتها، على الرغم من اتخاذ بعض الأئمة والسلاطين، عواصم أخرى لدولهم كالرستاق ومسقط.
تُعد نزوى من أهم مراكز العلم والعلماء في سلطنة عمان على مر العصور، حيث كانت جوامعها ومساجدها الشهيرة مدارس يتخرج منها أفواج من العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء. كما ساهمت المنشآت الدينية التعليمية والمباني الشامخة في نزوى بدور حيوي في ازدهار الحركة العلمية حيث كانت موطناً آمناً للعلماء.
المعالم الحضارية الإسلامية في نزوى :
وتضم نزوى بين جوانبها العديد من المساجد الأثرية. ومن المعروف أن المساجد العُمانية الأولى شيدت على نمط مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي اتسم ببساطة البناء والتكوين. ومع تعاقب السنوات، انتشرت المساجد في عُمان. وكانت المساجد العُمانية الأولى تتميز بعدم وجود منارات عالية، بل كان فيها امتداد في السقف للصعود منه إلى سطح المسجد متصلة بالداخل بسلم يوصل إليه. ومن أهم المساجد العُمانية التي ساهمت في الحركة العلمية في سلطنة عُمان في القرون الأولى للهجرة، ما يلي:
يقع مسجد الشواذنة في حارة قلب العقر بنزوى، وعمَر هذا المسجد عدد من العلماء الذين اعتكفوا فيه، ونشروا من خلاله علوم العقيدة وأصول الفقه والحديث واللغة.
وبني هذا المسجد في العام السابع من القرن الأول الهجري، وتم تجديده عدة مرات، آخرها في عام 936 هـ/ 1529 م، وهو ما تثبته نقوش المحراب التي توضح الأساليب الفنية في المحاريب العُمانية، ومحراب المسجد يعود إلى سنة 936 هـ/ 1529 م، ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار، وإطاره الخارجي، كما في سائر المحاريب مستطيل الشكل زهري ويحوي خمسة عشر ختماً محفوراً تتخلله أختام أصغر حجماً تختلط فيه الأشكال الهندسية بالنباتية.
2ـ مسجد سعال :
يعدَُ مسجد سعال من أقدم مساجد عُمان وأهمها، فهو عبارة عن برج شامخ وأبواب من الخشب الخالص ومكان صغير للوضوء. وقد بني هذا المسجد في السنة الثامنة من القرن الأول الهجري، وجدد بناؤه عدة مرات. ومحرابه من أقدم محاريب مساجد نزوى، بل من أقدم محاريب مساجد سلطنة عُمان قاطبة: فهو يشتمل على تاريخ ربيع الثاني 650 هـ/ يونيو 1252م. والمحراب يشهد على مهارة الصانع وعلى المستوى الفني والتقني العالي وخبرة فناني عُمان القرن السابع للهجرة وبراعتهم في فن زخرفة الجص. والمحراب مربع الشكل يبلغ طول ضلعه ثلاثة أمتار، وإطاره الخارجي تحيط به من الداخل والخارج كتابات قرآنية، كتبت بالخط الكوفي. أما الجزء السفلي، فيحتوي على اثنين وعشرين ختماً يحمل كل منها رسماً زخرفياً متنوعاً؛ كما يحتوي عقد طاقية المحراب على إطار مستطيل يقرأ فيه توقيع الصانع على النحو التالي: »مما أمر بعمله العبد الراجي رحمة ربه أحمد بن إبراهيم بن محمد السعالي«. والصانع لم يدع مساحة في المحراب إلا ملأها بالعناصر الزخرفية من الخطوط المتشابكة ورسوم الأرابسك (الرقش). وقد عمَّر مسجد سعال عدد من العلماء، وأقيمت فيه حلقات الذكر والتدريس وتخرج منه عدد كبير من العلماء. ولهذا المسجد دور كبير في نشر التعليم الديني.
3ـ مسجد الجناة:
يقع مسجد الجناة في حارة سعال. واسمه مشتق من واحة الجناة. ومرَ به عدة تجديدات آخرها في عام 925 هـ/ 1519 م، ولا يزال يحتفظ بمحراب بارتفاع أربعة أمتار وعرض ثلاثة أمتار. وقد عرف تصميم هذا المحراب في عدد من محاريب القرن العاشر الهجري، وتقرأ الشهادة على جزئه الأعلى بخط كوفي كبير يعلوها أشكال الزهريات. أما الإطار الخارجي المستطيل، فيحتوي على ستة عشر ختماً كبيراً، يتبع كلاًّ منها ختم أصغر، ونقشت كلها من الجصَ بدقة. وتمثل رسومه زهريات وأشكالاً هندسية مختلفة. والإطار الداخلي مستطيل الشكل محمول على عمودين منقوشين على جانبي تجويف المحراب، ويشتملان على الزخارف النباتية المألوفة على المحاريب العُمانية.
4ـ مسجد الشرجة:
مسجد الشرجة عبارة عن مبنى بسيط مربع الشكل، ويعود تاريخ بناء محرابه إلى سنة 924 هـ/ 1518 م، وهو في حالة جيدة. ويعدَُ هذا المحراب من أبرز إنجازات عبد الله الهميمي النقاش المنحي. وارتفاع هذا المحراب حوالي أربعة أمتار، وعرضه حوالي ثلاثة أمتار. وهو يشبه محراب مسجد الجناة. كما أنه يحتوي على خمسة عشر ختماً مزخرفاً، تفصل بين الختم والآخر دوائر صغيرة الحجم، كما تحيط بها الرسوم والأشكال الزهرية.
5ـ جامع نزوى:
بني جامع نزوى في القرن الثاني الهجري في عهد الإمام غسان بن عبد الله، الذي تقلد الإمامة سنة اثنتين وتسعين ومائة للهجرة، أي بعد أن أجمع العلماء على جواز إقامة صلاة الجمعة خارج مدينة صحار التي كانت عاصمة عُمان آنذاك. ثم جدد بناؤه في عهد الإمام الصلت بن مالك، وكذلك جدد بناؤه ثانية في عهد الإمام سلطان بن يوسف بن مالك اليعربي بعدما أتم بناء القلعة فوسعه وزاد عليه بعض التحصينات حتى أعيد بناؤه في عهد جلالة السلطان قابوس وذلك في مطلع السبعينيّات من القرن العشرين، وأدخلت عليه زيادة كبيرة في المساحة وبني بناء يليق بمكانته الدينية والتاريخية. ويسمى حاليا ” جامع قابوس”.
ثانيا: القلاع والحصون :
تعدَ قلعة نزوى ضمن أقدم القلاع في سلطنة عمان، وتنفرد بشكلها الدائري الضخم المطمور بالتراب. ويبلغ ارتفاعها 24م، وقطرها الخارجي 43م، والقطر الداخلي 39م. بها سبع آبار وفتحات متعددة لمرابطة المقاتلين المدافعين عن القلعة والمدينة خلال العصور القديمة.
شيد الإمام سلطان بن سيف مالك اليعربي قلعة نزوى عام 1660م، وقد تم احتضان ” متحف نزوى” في القلعة، ويتضمن نماذج من الصناعات الحرفية التي لا تزال تمارس في تلك المنطقة.
قلعة نزوى
حصن نزوى
حصن نزوى الذي شيده الإمام الصلت بن مالك الخروصي قبل 1200م، على بعد خطوات من قلعة نزوى، ويتكون الحصن من سكن الإمام، وآخر لطلبة العلم، وثالث للمستشارين والقضاة والحرس والجنود، بالإضافة إلى المسجد.
3ـ حصن بين الرديدة أو حصن الرديدة
يعود تاريخ هذا الحصن إلى القرن السابع عشر الميلادي على بعد حوالي 24 كم من نزوى في بداية وادي المعيدن، ويجمع الحصن بين عناصر فن البناء المعماري الدفاعي والمحلي التقليدي، وتخفي أجزاء جدرانه السميكة ذات الأبراج المشيدة من الآجر، ويحتوي على زخارف معمارية وفنية رائعة.
ثالثا: علماء مدينة نزوى
تعدَُ نزوى موطن العلماء في سلطنة عُمان عبر عصورها، ذلك أنها كانت من أهم المراكز العلمية والثقافية في عُمان. وقامت جوامعها ومساجدها بدور كبير في الحركة العلمية خلال القرون الأولى للهجرة، وساهمت في تخرج أفواج من العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء. ونذكر فيما يلي أهم هؤلاء العلماء الذين أسهموا في الحركة العلمية في القرون الأولى للهجرة:
1ـ الإمام جابر بن زيد (أبو الشعثاء)
هو الإمام العلامة جابر بن زيد، من ولد عمرو بن اليحمد الأزدي الفرقي النزوى، وكنيته أبو الشعثاء، وبلغ الإمام جابر بن زيد من العلم والمكانة مما أهله لأن يُعد أحد التابعين الفقهاء الذين تؤخذ عنهم الفتوى ويتلقى عنهم العلم بأمور الدين.
وكان للإمام جابر بن زيد آثاره العلمية الغزيرة. ونشأ الإمام جابر بن زيد بعُمان، وتلقى العلم بالبصرة والحجاز، وعاش معظم حياته في البصرة، وسار فيها سيرة أهل العلم، وتشعب نشاطه إلى ناحيتين: الأولى تفقهه في الدين وعمله بالفتوى، والثانية: دوره إماماً لمذهب كان لأتباعه فيما جرى من أحداث وفتن، وكانت لهم دعوة رأوا في متابعة آرائه الحل الأمثل الذي يتفق مع الكتاب العزيز والثابت من السنة المطهرة. ويعدَُ الإمام جابر بن زيد من أوائل الذين قاموا بالتأليف، وجمع مؤلفاته في ديوانه الكبير المسمى “ديوان جابر”.
2ـ البشير بن المنذر السامي العقري النزوى
الشيخ العلامة أبو المنذر البشير بن المنذر العقري النزوي. نشأ في عقر نزوى، وله رهط كبير وهم بنو زياد وبنو نافع. ويعدَُ هذا الشيخ الركيزة العلمية الثانية بعمان بعد الشيخ موسى بن أبي جابر الأزكوي. فتح الشيخ البشير أبواب التعليم في نزوى لكل من يرغب فيه، وأقام حلقات للتدريس، وصار مرجعاً للفتوى، وعرف بالشيخ الكبير.
3ـ الإمام الوارث بن كعب الخروصي
الإمام الوارث بن كعب اليحمدي الخروصي من أعلام الأئمة الذين كان لهم دور في حياة الأمة الإسلامية. ولد في قرية هجار من وادي بني خروص بعمان. ويعد الإمام الوارث ثالث إمام تمت بيعته في عُمان في القرن الثاني الهجري. فبعدما خرج محمد بن عبد الله بن عفان من نزوى معزولاً عن الحكم، اجتمع جمهور العلماء والفقهاء وعلى رأسهم العلامتان ابن أبي جابر وأبو المنذر، فعقدوا الإمامة على الوارث بن كعب، وذلك في ذي القعدة سنة 179 هـ/ يناير 796 م. وقبر الإمام مشهور في نزوى، كائن بين العقر وسعال. وبنى الإمام الوارث بن كعب الخروصي بيتاً في آخر القرن الثاني الهجري، هو عبارة عن حصن في قرية سيق، وأعاد بناءه المشايخ بنو نبهان مراراً، وآخرهم الشيخ سليمان بن سيف النبهاني في مطلع القرن الثالث عشر الهجري.
4ـ الإمام غسان بن عبد الله اليحمدي
بعد وفاة الإمام الوارث، تمت البيعة للإمام غسان بن عبد الله يوم الاثنين لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين ومائة للهجرة في عهد هارون الرشيد. وقام الإمام غسان بن عبد الله بمشاورة العلماء في إقامة الجمعة بنزوى، فوافقوه وأقروها لوجود الإمام، وصارت نزوى العاصمة العُمانية، واستأثرت بهذا المركز المهم؛ كما صارت كرسي الإمامة في عُمان وكان مقام الإمام بنزوى في بيت الإمامة في العقر. وتوفي الإمام غسان بن عبد الله اليحمدي – رحمه الله – ليلة السادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 207 هـ/ مارس 822 م. وكانت مدة إمامته خمس عشرة سنة وستة شهور وأياماً.
5ـ الإمام عبد الملك بن حميد العلوي
عُقدت الإمامة على الإمام عبد الملك بن حميد من بني سودة بن علي بن عمرو بن عامر يوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 207 هـ/ 823 م. وظل في الإمامة حتى توفي ليلة الجمعة الثالث من شهر رجب سنة 226 هـ/ 27 أبريل 841 م، وكانت إمامته ثماني عشرة سنة وسبعة أيام. ودفن بمقبرة الأئمة بنزوى.
وقد بويع بالإمامة من بعد الإمام عبدالملك بن حميد، الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي الذي توفي في يوم الجمعة السادس عشر من ربيع الآخر سنة 237 هـ/ أكتوبر851م. وكانت مدة إمامته عشر سنين وتسعة أشهر. ثم تولى من بعده الإمام الصلت بن مالك، واستمر في الإمامة حتى وفاته ليلة الجمعة للنصف من ذي القعدة سنة خمسة وسبعين ومائتين للهجرة، ودفن أيضاً في مقبرة الأئمة بنزوى.
الأفلاج في نزوى
فلج دارس
يقع فلج دارس بولاية نزوى تحت سفح الجبل الأخضر على بعد 180 كم من محافظة مسقط، يعتبر من أشهر الأفلاج الداودية بسلطنة عمان، وأكبر أفلاج المنطقة الداخلية، وهو من الأفلاج ذات التدفقات الكبيرة، ومياهه ذات جودة عالية.