المتاحف والمعارض

خزانة المقتنيات الهاشمية في متحف البنك الأهلي للنميّات: المسكوكات توثق التاريخ

image

الدكتور نايف القسوس*
المتاحف أماكن تضم شواهد تاريخية، تصل الماضي بالحاضر، كما تحتفظ بأشياء نادرة ومن خلالها يمكننا أن نصيغ هوية ثقافية للمستقبل. فالمسكوكات خرائط صغيرة للممالك عاشت طويلاً في الماضي، وهي رمز للمقايضة وتبادل الأفكار وتعبر عن القيمة وأداة وفاء، كما أنها وسيلة للادخار، بالإضافة إلى أنها صورٌ حياتية للحكم الصالح والظالم.
لقد جرى تداول النقود قديماً وحديثاً وأحياناً أُسيء استعمالها، فالنقود توثق حياة الشعوب وأحوالهم وتسجل أسماء أماكن وأشخاص تختلف أهميتهم، ولحسن الحظ فإن النقود أكثر بقاء من الشعوب والأماكن التي مثلتها.
ذهبت دولة الأنباط وكذلك الإمبراطورية الرومانية و(دالت) دولة الأمويين وغيرها من الدول إلا أن مسكوكاتهم باقية تنبئ عنهم، ولدى متحف البنك الأهلي الأردني للنميات في عمان نُميات ومسكوكات تمثل فتراتهم التاريخية، مسكوكات تستطيع أن تعيد لمخيلتنا صوراً حية لإمبراطوريات ودول اندثرت منذ زمن بعيد، وذلك من خلال الصور الجميلة الرائعة والتاريخ والأسماء والشعارات التي نُقشتْ عليها.
ويستقبل البنك الأهلي الأردني الدارسين والباحثين لزيارة متحف النميات لمشاهدة مقتنياته وما تحتويه الخزانة الهاشمية من روائع النقود والمداليات ليتعرفوا على تاريخ الأردن الحديث، وليعيشوا لحظات رائعة مع نقود الثورة العربية الكبرى ووسام معان ودينار المملكة العربية السورية ونقود فلسطين والأردن في فترة الإنتداب البريطاني، ونقود إمارة شرقي الأردن والمملكة الأردنية الهاشمية في ظل الملوك الهاشميين.
نقودنا في العصر العثماني:
انتصر العثمانيون الأتراك على المماليك ودحروهم في معركة مرج دابق عام 922هـ/1516، وفي السنة التالية هزم السلطان العثماني سليم الأول السلطان قانصوة الغوري آخر مملوك كان يحكم مصر. منذ ذلك الحين أصبحت البلاد العربية تحت حكم الامبراطورية العثمانية وأصبحت مسكوكاتهم متداولة في كافة أنحاء امبراطوريتهم الواسعة الأطراف.
كان نظام النقد في تلك الفترة في غاية الفوضى ولم تشذ نقود المماليك عن بقية المسكوكات الإسلامية فكانت تحمل شهادة التوحيد والرسالة المحمدية.
ويجدر بنا أن نذكر هنا كيف تم استغلال الدين لصالح السياسة، إذ اعتمد السلطان العثماني سليم الأول (1520-1512/926-918) في استيلائه على دولة المماليك في مصر وسورية على فتوى دينية مدعياً أنه وقف عند حد الشرع الشريف في حربه على الدولة المملوكية.
تولى محمد علي قائد الفرقة الألبانية في القاهرة منصب باشا مصر عام 1805، وهو المنصب الأعلى الذي جعل منه ممثلاً للسلطان وحاكماً عاماً على وادي النيل، وكانت لمحمد علي مطامع في سورية فانتهز انهاك قوى الدولة العثمانية وتوقيع معاهدة أدرنة 1829، فاجتاح فلسطين عام 1831 وسيطر على سورية عام 1832 واعتمد لها تنظيم هو صورة عن التنظيم المعتمد في مصر.
كانت النقود المتداولة في أول عهد أسرة محمد علي خليطاً من المسكوكات التركية التي تضرب في القسطنطينية أو غيرها من دور الضرب العثمانية، إضافة إلى بعض المسكوكات الأجنبية ومجموعات من النقود المصرية التي ضُربت على الطراز التركي جرى تحديد أنواعها بموجب الفرمان الصادر العام 1806.
وبقي نظام النقد مضطرباً حتى أصدر محمد علي قانوناً سنة 1834 كمحاولة لإصلاح النقد فاتبع نظام المعدنين رسمياً، وسك نقوداً ذهبية وفضية وجعل نسبة المبادلة بين المعدنين بالوزن (1: 15.5)، فيما احتكرت حكومة محمد علي باشا سك النقود، فهي التي تصدر قطع المسكوكات، ولذلك لها الحق في الاستيلاء على أرباح دار الضرب.
نتيجة لذلك أصبحت النقود المضروبة في مصر متداولة إلى جانب النقود العثمانية في بلادنا (بلاد الشام). وبسبب ذلك صار التعريف بالنقود المصرية في بلاد الشام بصيغة الجمع (مصاري) وأصبحت كلمة مصاري ومصريات متعارفا عليها في بلادنا وتعني كلمة نقود.
وتجدر الإشارة إلى وجود ما يعرف بميدالية معان الفضية وأخرى نحاسية، التي أصدرهما السلطان عبدالحميد بمناسبة وصول خط سكة الحديد الحجازية إلى معان ونُقش عليهما باللغة التركية: حميدية حجاز، تيموريولي معان، موقعتك كشادي بادكاري 1322، وعلى الوجه محرك قاطرة تعلوها طغراء (رسم) السلطان.
مسكوكات الثورة العربية الكبرى:
في العاشر من حزيران (يونيو) 1916 ( شعبان 1334هـ) أعلن الشريف حسين بن علي الثورة على العثمانيين وأعلن الاستقلال. وفي 29 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1916 اجتمع علماء وأعيان الحجاز وأغلب شيوخ القبائل البدوية والمستقرة في مكة المكرمة وبايعوا الشريف حسين وأعلنوه ملكاً على البلاد العربية.
وفي هذه المناسبة وتأكيداً لاستقلاله عن الامبراطورية العثمانية ضرب الملك حسين بن علي باسمه ديناراً هاشمياً في مكة المكرمة عاصمة الحكومة العربية، يحمل تاريخ اعتلائه العرش 1334 هـ وأرخه حسب سنوات حكمه (السنة 8) وسجل عليه: “ملك البلاد العربية”، كما ضرب نقوداً فضية (عشرين قرشاً وعشرة قروش وخمسة قروش) ونحاسية (قرش ونصف القرش وربع القرش وثمن القرش) خلت جميعها من تلك المأثورة. أما الدول العظمى فقد اعترفت به ملكاً على الحجاز فقط، فضرب ديناراً آخر مماثلاً كُتب عليه: “الناهض بالبلاد العربية”، بدل العبارة السابقة.
كما أصدرت مملكة الحجاز نقوداً ورقية عن بنكها المركزي (البنك الأهلي الحجازي العربي) إصداراً واحداً فقط لم يطرح في الأسواق ولم يجر تداوله، وكانت فئاته نصف الجنيه والجنيه والخمسة جنيهات والعشرة جنيهات كُتب على هذه الفئات جنيهات عربية، في حين كُتب على فئة الخمسين (خمسون جنيهاً حجازياً) وكذلك على فئة المائة جنيه.
كما سُجّل على جميع تلك الفئات باللغتين العربية والإنجليزية الرقم والفئة وتاريخ الإصدار واسم البنك الذي قام بإصدارها وتوقيع محافظ البنك المركزي “حبيب لطف الله”. وحمل وجه النصف جنيه والجنيه صورة الكعبة المشرفة أما بقية الفئات، حملت صوراً لأماكن دينية وتاريخية في دول عربية.
أما أبرز تلك الفئات، فقد حملت شعار الثورة العربية الكبرى محاطة بزخارف إسلامية، حملت أوجه جميع تلك الأوراق البنكية تاريخ الإصدار 23 شوال 1343 بالعربية والإنجليزية، وهذا التاريخ يوافق 18 نيسان (ابريل) 1924م. وبسبب الحرب القائمة والأوضاع السياسية القلقة وفضح معاهدة “سايكس – بيكو” السرية ومفاوضات “حسين- مكماهون”، أدى كل ذلك إلى تنازل صاحب الجلالة الحسين بن علي ملك الحجاز، لابنه علي في 4 تشرين الاول (اكتوبر) 1924. وفي 19 كانون الأول (ديسمبر) غادر الملك علي بن الحسين جدة، لهذا السبب لم تطرح تلك الأوراق رسمياً للتداول ولم يجر التعامل بها. ولهذا لا نجد لها صوراً أو وصفاً في المصنفات (الكتالوجات) الخاصة بالأوراق النقدية.
مسكوكات المملكة السورية:
لتحقيق الاستقلال الذي وعد به الحلفاء انعقد المؤتمر السوري في دمشق بتاريخ 8 مارس (آذار) 1920 وأُعلن استقلال سورية وفلسطين، وتقرر تقديم العرش للأمير فيصل ليكون ملكاً على المملكة المتحدة المكونة من هذين القطرين على أن تعلن البيعة يوم 8 مارس (آذار) في دار البلدية، وبهذه المناسبة التاريخية ضرب الملك فيصل ديناراً باسمه نُقش على وجهه إكليل كُتب بداخله بالخط الديواني “فيصل الأول” تعلوه نجمة وفي الهامش التاريخ (1338)، أما الظهر فقد نُقش عليه درع تعلوه نجمة وفي الهامش التاريخ (1920) وعلى المدار دينار المملكة السورية.
في فجر 24 يوليو (تموز) 1920 م كانت معركة ميسلون ودخول القوات الفرنسية دمشق بعد أن غادرها الملك فيصل ظهراً إلى الكسوة مع وزرائه بعد ذلك إلى العراق. وعادت دمشق إلى الحكم الأجنبي وأصبح الفرنسيون أسياد سورية ولبنان.
مسكوكات فلسطين والأردن في ظل الانتداب البريطاني:
رفضت بريطانيا وفرنسا الموافقة على استقلال سورية وفلسطين بموجب اتفاق سان ريمو الذي أُبرم سنة 1920 لتقسيم الامبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية حسب اتفاقية سايكس – بيكو السرية.
وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت فلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني، ولم تكن لهما مسكوكات خاصة غير المسكوكات العثمانية المتداولة، إضافة إلى تداول نقود ذهبية أخرى منها الإنجليزية والفرنسية والمصرية والريال الأسدي الفضي.
وفي حزيران (يونيو) 1923 صدر قانون النقد الذي أجاز استخدام النقد المصري وإحلال القرش المصري محل القرش السوري (الذي كان متداولاً في فترة الحكم الفيصلي) في المنطقة اعتباراً من بداية السنة المالية المقبلة.
وفي عام 1927 أصدرت حكومة الانتداب أول مسكوكات لها من المعدن من فئة مل، وملان، وخمسة ملات، وعشرة ملات، والعشرين أما الخمسين والمائة مل، فقد كانتا من الفضة عيار 750 من الألف.
وكانت هذه المسكوكات تحمل المأثورات باللغات الثلاث العربية والانجليزية والعبرية، مؤرخة بالتاريخ الميلادي. وكان آخر إصدار من هذه المسكوكات سنة 1946 ومنها عام 1947 لم تطرح للتداول، كما أصدرت حكومة الإنتداب أوراق نقد من فئة ال 500 مل (نصف الجنيه والجنيه والخمسة جنيهات والعشرة جنيهات والخمسين والمائة جنيه.
وجاء في جريدة الشرق العربي العدد 174 سنة 1927: “أصدرت حكومة الانتداب نقود فلسطين واستخدمت أيضاً في الأردن، وكانت مكونه من الجنية الذي قُسّم الى ألف مل، مكتوباً باللغات الثلاث العربية والانجليزية والعبرية وتحمل التاريخ الميلادي. وصدر (قانون إحلال النقد الفلسطيني محل النقد المصري والعثماني لسنة 1927) ويعمل به من بداية شهر نوفمبر(تشرين الثاني) 1927”.
وصدر في 24 مارس (آذار) 1928 (قانون النقد الفلسطيني) نص على أنه “لا يعتبر الأَداء بورق النقد والنقود الفضية والنيكل من أي نوع من النقد غير النقد الفلسطيني أداءً قانونياً في شرق الأردن بعد 31/3/1930”. وفي 1 يناير (كانون الثاني) 1929 صار إبطال التعامل الرسمي بالعملة الفضية التركية.
المسكوكات الأردنية:
ظل النقد الفلسطيني الصادر عن مجلس النقد الفلسطيني هو العملة القانونية المتداولة في كل من فلسطين وإمارة شرق الاردن منذ عام 1927 وحتى 1950.
وبعد إعلان الاستقلال في 25 /5 /1946 برزت فكرة إصدار نقد وطني للبلاد وصدر قانون النقد الأردني المؤقت رقم 35 لسنة 1949. وبموجب هذا القانون تشكل مجلس النقد الأردني وأصبح الجهة الوحيدة المخولة بإصدار أوراق النقد والمسكوكات للمملكة.
وتشكل مجلس النقد (في ذلك الحين) من رئيس وأربعة أعضاء، وكان مقره الرئيس في لندن وأصبح الدينار الأردني وحدة النقد المتداولة اعتباراً من 1 /7 /1950، بينما أُلغي التعامل بالجنيه الفلسطيني اعتباراً من 30 /9 /1950.
وصدر قانون البنك المركزي الأردني في عام 1959، وحالما باشر البنك أعماله في تشرين الأول (أكتوبر) 1964 جرى التحضير لإصدار أول نقد أردني جديد يحمل اسم البنك، وعلى غرار البنوك المركزية الأخرى فقد تعهد البنك المركزي الأردني بدفع قيمة الأوراق النقدية التي يقوم بإصدارها.

*

الاقسام

اعلانات