الاثار العربية

سراديب الموتى التى قاد إلى اكتشافها حمار.. “كتاكومب” غارقة فى المياه الجوفية والصرف الصحى علا الساكت

55

على بعد أمتار من مدخل مقبرة كوم الشقافة “كتاكومب”، وقفت فتاتان أجنبيتان تبحثان عن مدخل هذا المكان الأثرى – الذى تعتبره بعض الموسوعات التاريخية واحدًا من عجائب الدنيا السبع فى القرون الوسطى، وكعادة أهل حى كرموز، الذى تقع به المقبرة، يتبرع أحدهم بوصف مدخل الموقع.. تصل الفتاتان بصحبتهما كاميرا أرادتا تسجيل لحظة نزولهما إلى عمق المقبرة الذى يبلغ ثلاثة طوابق تحت سطح الأرض، لكن الدخول بالكاميرا والتصوير ممنوعان.

وما أن تصل إلى المقبرة، ستدرك على الفور حجم الإهمال الشديد الذى تعانى منه هذه المقبرة التى تنتمى إلى نوع نادر من المقابر الرومانية، إذ بنيت على نفس نمط مقابر كتاكومب الإيطالية واليونانية فى أواخر القرن الأول الميلادى، وهو النمط الذى انتشر فى القرون الثلاث الأولى الميلادية لدفن الموتى المسيحيين الذين كانوا يعانون الاضطهاد الرومانى، وكانت تحفر فى الخفاء سريعا وعلى هيئة سراديب ممتدة تحت سطح الأرض، ويرقد الموتى فيها متجاورين فى حفرات مستطيلة صغيرة منحوتة فى الصخر.

وعلى الرغم من أن نمط هذه المقابر، كان منتشرا في إيطاليا لدفن الموتى المسيحيين، إلا أن كتاكومب كوم الشقافة، لا يوجد بها أثرًا واحد يقول بأنها كانت مقبرة مسيحية، أو أن مسيحيًا دفن بها، حيث رسمت على جدرانها نقوش تمزج بين الآلهة الفرعونية والرومانية معا خلافا لمثيلاتها فى إيطاليا.

“بوابة الأهرام” تجولت داخل المقبرة، التى تم اكتشافها بالصدفة عندما سقط حمار داخل فى بئر للمياه الجوفية بالقرب من المكان لتكتشف حملة التنقيب التى بدأت أعمالها 1892 ، أن مدخلا لمقبرة كبيرة غارقًا أسفل المياه الجوفية والبئر، ويتم الانتهاء من الكشف عام 1900.

تركنا الكاميرا تبعاً لآوامر المشرفين على المقبرة، واستعنا فى الخفاء بكاميرا الموبايل وتوجهتا إلى سلم النزول أسفل البئر، لنكتشف أنه هذه المقبرة الأقل حظًا بين آثار العالم كله، فإضافة إلى ضعف وسائل تأمين المكان والغياب الملحوظ للأمن وهو الوضع الحالى لسائر المواقع الأثرية المصرية الأخرى، تعانى كتاكوب كوم الشقافة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى والتى تغطى طابق ونصف من المقبرة.

وتعنى كتاكومب فى اللغة الفرنسية “سراديب الموتى”، ويقال إن المنطقة الموجودة كوم الشقافة سميت بهذا الإسم نظرًا لكثرة وجود “شقف” الفخار، ويقول البعض إنها الاسم العربى الذى أطلق على المنطقة إحياءً للاسم اليونانى القديم، وتقع كوم الشقافة فى المنطقة التى قامت بها قرية راكوتيس، وهو الاسم الذى عرفت به عند الرومان إحياءً للاسم الفرعونى القديم للقرية وهو “رع- قدت”.

يقول دكتور هشام عباس أستاذ ترميم الآثار بالمعهد العالى للترميم بالأسكندرية إن المقبرة تعانى تسرب مياه الصرف الصحى وارتفاع منسوب المياه الجوفية بها، مما يعرضها للانهيار فى أية لحظة فضلا عن ضياع النقوش على جدران المقبرة.

ويوضح عباس أن المقبرة محفورة فى الحجر الجيرى العضوى وهو نوع من الأحجار لا يمتاز بالصلابة التى تجعله يصمد فى وجه المياه الجوفية، وتنمو فيه الفطريات والطحالب بسهولة، وهو الأمر الذى تعانى منه عدة مواقع أثرية بمدينة الأسكندرية أبرزها مقبرة الشاطبى.

لا تقف مخاطر استمرار الوضع الحالى عند حد فقدان المقبرة الأثرية وغرق أحد كنوز مصر فى المياه الجوفية ومياه الصرف وفقا لعباس؛ فإن الأكثر خطورة هو أن هذا النوع من الأحجار العضوية تنمو فيه الفطريات والملوثات بسهولة شديدة، وهو الأمر الذى يشكل خطرا على زائرى المقبرة نظرا لقلة التهوية بالأدوار السفلى من المقبرة.

فرصة وحيدة حظت بها مقابر كوم الشقافة بالاهتمام عندما أعلن المجلس الأعلى للآثار فى يونيو 2010 عن تخصيص 30 مليون جنيها لترميم كتاكومب كوم الشقافة وجبانات الأنفوشى والشاطبى، لكن المشروع لم يلبس أن يبدأ حتى توقف فجأة. ويقوم المشروع على وضع حل جذرى لمشكلة المياه الجوفية بالمقابر الثلاث، ولا يكتفى بشفط المياه الجوفية كما حدث سابقا.

فى الوقت نفسه أكدت دكتورة مونيكا حنا أستاذة علم المصريات بجامعة برلين على ضرورة الإسراع فى تنفيذه قبل فوات الأوان؛ قائلة أن المياه الجوفية تأكل أساس المقبرة. وهاجمت دكتورة مونيكا تراخى قطاع المشروعات عن تنفيذ المشروع الذى رصدت له ميزانية بالفعل، متسائلة عن أسباب تعطل المشروع.

وقالت: “قطاع المشروعات لا يمكن وصف فساده، ففى الوقت الذى يتم دفع مبالغ ضخمة لمكاتب استشاريين يقومون هم أنفسهم بتنفيذ مشروعات وهمية من الباطن، لا يتغير شئ على الأرض، بل تزداد الأوضاع سواء وباتت عدة مواقع أثرية مهددة بالانهيار”.

وتساءلت حنا: “إذا كان الظرف السياسى وقلة الأموال هو ما يمنع الوزارة فعلا من تنفيذ المشروع فلماذا لا تقوم بشفط المياه الجوفية من المقبرة بشكل دورى وهو أمر غير مكلف بالمرة حتى تتوافر الميزانية اللازمة للبدء فى المشروع”.

صممت كتاكومب كوم الشقافة على أن تدلى الجثة بالحبال من مسقط نور ذى فتحات فى جدرانه يمتد لعمق الثلاثة أدوار، ويحيط به سلم حلزونى إلى أدنى طابق بالمقبرة، وحين كانت الجثة تصل إلى الطابق الذى سترقد فيه تحمل لتوضع فى مرقدها الأخير، وأنشئت كمقبرة خاصة لعائلة ثرية لكنها لسبب مجهول تحولت لمقبرة للعامة.

 

 

الاقسام

اعلانات