الاثار العربية مقالات

المخطوطات اليمنية.. ما تبقىّ من تراثنا وتاريخنا!!

13-06-23-638339384

تحقيق / خليل المعلمي

المخطوطات هي ما تبقى لنا من التراث والتاريخ لكي نتغنى بها بعد أن ولجنا إلى حياة المدنية وأصبحنا نستهلك كل ما يأتينا من الخارج، وربما هذا لا يكفي للوقوف أمام هذه الثروة العظيمة والهائلة التي تحيي فينا الوحدة الوطنية وثقتنا بأنفسنا بعد أن أخذتنا المآخذ وشتتنا الولاءات الضيقة.
إن تحقيق المخطوطات هي من أعظم الأعمال التي لا يجب أن يقوم بها إلاّ العارفون في التاريخ واللغة والأدب والثقافة ومن لهم باع طويل في الاطلاع، فالتحقيق فن حديث في اليمن لازال في بدايته خاصة مع الاهتمام المتزايد بدار المخطوطات في صنعاء وإنشاء إدارة تعني بالتحقيق بالاشتراك مع عدد من الأكاديميين من جامعة صنعاء ممن كان لهم تجارب مع تحقيق المخطوطات.. وبعد أن بدأ الأشقاء في بعض الدول بالاهتمام بالمخطوطات اليمنية والقيام بتحقيقها دون مراعاة للعديد من الجوانب التاريخية والعلمية.
ومن خلال التحقيق التالي نتعرف على دور الجهة المسؤولة عن تحقيق المخطوطات وما تقوم به وزارة الثقافة في دعم وتشجيع المحققين وما هي الصفات التي لابد للمحقق أن يتميز بها والدور المطلوب من مختلف فئات المجتمع تجاه المخطوطات والاهتمام بها والوعي بأهميتها:

الجهة المسؤولة عن تحقيق المخطوطات
في البداية يقول الدكتور مقبل التام الأحمدي وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب: الجهة المسؤولة عن تحقيق المخطوطات هو دار المخطوطات التابعة لقطاع المخطوطات في وزارة الثقافة وأخيراً تم إنشاء إدارة مختصة في قطاع المخطوطات تسمى إدارة التحقيق والنشر، بما يوافق حال قطاع المخطوطات ودور الكتب الذي كان في ما مضى في مرحلة تأسيسية وانجز العديد من الأعمال التي نهض بها طائفة من الاكاديميين ونحو سبعين من المتدربين من خريجي جامعة صنعاء من أقسام الآثار واللغة العربية والتاريخ والمكتبات وعملوا منذ ثلاث سنوات أو تزيد على ترميم المخطوطات وفهرستها وتوثيقها وحباكتها ثم جاءت المرحلة التي ستستمر عشرات السنين وهي مرحلة تحقيق المخطوطات.
ويضيف: التحقيق هو محاولة جادة من الباحث إلى إعادة النص على الهيئة التي أرادها مؤلفه من حيث القراءة الصحيحة والرسم الصحيح ومن حيث سلامة المتن وحسن الإخراج، يأتي بعد ذلك جهد الباحث بحسب قدرته من حيث ترجمة الأعلام، ولا يكفي ترجمة الأعلام المعروفة ولكن لابد من ترجمة الأعلام غير المعروفة.
ويشير الدكتور الأحمدي إلى أن تحقيق المخطوطات هو فن جديد في اليمن وهذا العلم كان قائماً في مصر قبل نحو خمسين سنة وأكثر وفي العراق وفي سوريا، واليمن لازالت في البداية، ونحن نريد أن تبدأ لدينا بداية صحيحة، تبدأ من حيث انتهى الناس وليس من حيث بدأ الناس، فهذا الأمر يحتاج إلى كادر متخصص في مختلف العلوم، فعلى المحقق أن يتعلم أدوات التحقيق وفنون الآداب إضافة إلى تخصصه في أي مجال سواء في التاريخ أو الجغرافيا او الفلسفة أو حتى في التخصصات العلمية المختلفة.. مؤكداً أن من مقومات التحقيق وأدواته وجود مكتبة عامرة مشتملة على مختلف العلوم على أن تكون هذه الكتب من الأصول.
ولدينا من الكوادر المتمكنة في دار المخطوطات ممن تدربوا على مستوى عال في عملية الترميم والصيانة للمخطوطات وهم الآن يمثلون خلية نحل داخل الدار، لكنهم لازالوا متعاقدون ولم يتم تثبيتهم حتى الآن على الرغم من مرور خمس سنوات وهم يعملون في الدار.
وأشار الدكتور الأحمدي إلى أن ميزانية اقتناء المخطوطات المعتمدة للوزارة تصل إلى 15 مليون ريال سنوياً، وخلال السنوات السابقة تراكمت مديونية الاقتناء حتى بلغت مائة مليون دولار لأصحاب المخطوطات وقد تم اعتمادها بقرار من مجلس الوزراء وسيتم تسديدها بالكامل.
دار المخطوطات
وعن الدور الذي تؤديه دار المخطوطات بصنعاء يقول أحمد هزاع أمين عام دار المخطوطات بصنعاء: للدار دور كبير في اقتناء المخطوطات وحفظها وترميمها وصيانتها وفهرستها وتوثيقها وتجهيزها للباحثين للاستفادة منها، ويضيف: لقد تأسست الدار في العام 1983م حيث يتم اقتناء المخطوطات سنوياً من قبل أصحابها ليتم حفظها في الدار بعد فهرستها وتوثيقها..
والدار تقدم خدماتها للباحثين وطلاب الدراسات العليا فمعظم طلاب كلية الآداب في أقسام التاريخ والآثار واللغة العربية والفلسفة يتجهون لتحضير رسائل الماجستير والدكتوراه في تحقيق المخطوطات، فبعد أن يتم صيانة وترميم المخطوط يتم تصويرها عبر قسم التوثيق الالكتروني المختص بتصوير المخطوط وحفظه بوسائل علمية حديثة، فعندما يطلب الباحث مخطوطاً معيناً يتم إطلاعه على المخطوط الكترونياً، ويُنسخ له ما يريد عبر اسطوانة “سي.دي”.. وحالياً قد تم تصوير أكثر من ثمانية آلاف مخطوط وهي جاهزة أمام الباحثين، وهذه الطريقة تحفظ المخطوط من أن يتعرض للتلف كلما تكرر الاطلاع عليه من قبل الباحثين الزائرين.
وتشهد الدار حالياً تحديثاً وصيانة من خلال تركيب شبكة كهربائية جديدة، ومنظومة إنذار للحريق وكاميرات مراقبة ونظام البصمة للموظفين وقد تم هذا بإشراف ودعم الدكتور مقبل الأحمدي وكيل قطاع المخطوطات ودور الكتب بوزارة الثقافة.
تشجيع المحققين
من جانبه يقول محمد لطف غالب مستشار وزارة الثقافة ورئيس تحرير مجلة الإكليل:
إن وزارة الثقافة لاتمتلك لجنة خاصة بتحقيق المخطوطات ولكنها تقوم بتشجيع ورعاية الأشخاص الذين يقومون بعملية تحقيق المخطوطات كما تقوم بشراء عدة نسخ بعد طباعتها تشجيعاً لهم، لأن من يقوم بالتحقيق في بلادنا هم أشخاص معروفون لدى الوزارة ممن يمتلكون إمكانيات فنية في هذا الجانب وهم إما أكاديميون في الجامعة أو أشخاص مهتمون في هذا الجانب، والوزارة تثق في هؤلاء الأشخاص، لأن من يقدم على هذه المهمة هم أصحاب الخبرة والقدرة على ذلك فلا يمكن لشخص عادي أن يقوم بهذه المهمة.. وإذا ما حصل أي تقصير في ذلك فإنه سيتبين من خلال القراءة.
ويضيف: وبالنسبة لتحقيق المخطوطات فإن دور الوزارة هو دور إشرافي وإداري ومنذ إنشاء قطاع المخطوطات ودور الكتب في الوزارة تحدد دور الوزارة حول المخطوطات في هذا القطاع، وتتبع الوزارة عدد من دور المخطوطات مثل دار المخطوطات بصنعاء وهو يحتوي على الكثير من المخطوطات فقد تم تحويل المخطوطات الموجودة في المكتبة الغربية في الجامع الكبير إلى هناك بينما احتفظت وزارة الأوقاف بالمكتبة الشرقية، كما تتبع الوزارة مكتبة الأحقاف في تريم ومكتبة الأشاعر بزبيد.. وتقوم هذه الدور بعملية جمع وحفظ وصيانة وتوثيق المخطوطات وفهرستها.
وبحسب ميزانية الوزارة فإن معدل ما تقوم به الوزارة من تحقيق المخطوطات وطباعتها من كتابين إلى ثلاثة في العام الواحد، ولدى الوزارة خطة طموحة في تحقيق المزيد من المخطوطات إلا أن هناك عوائق فنية تتمثل في قلة المحققين لأن التحقيق يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
وخلال العام 2004م وتفاعلاً مع الحدث “صنعاء عاصمة الثقافة العربية” تم طبع العديد من العناوين الجديدة كما تم إعادة طباعة بعض المخطوطات التي تم طباعتها من سابق وقد بلغت في ذلك العام حوالي 23 عنواناً، وبعض هذه العناوين اشتملت على عدة أجزاء مثل كتاب الإكليل الذي احتوى على أربعة مجلدات.. وغيرها.
ويؤكد غالب بأن التحقيق هو علم بحد ذاته وصنعة لها قواعدها وأسسها والمحقق لابد أن يتمتع بعدد من المميزات من أهمها معرفة قراءة المخطوط والتمييز ما بين المخطوط بخط المؤلف وما بين المخطوط المنسوخ كما لابد أن يكون لديه عدة نسخ مختلفة للمقارنة والتعرف على الكلمات غير المعروفة، كما لابد للمحقق أن يكون ملماً بجميع المعلومات حول المخطوط، ولن يصل أي شخص إلى هذه الدرجة إلا بالاطلاع والاستقراء معاً، لأن القراءة وحدها لا تكفي.
استقراء التاريخ
ويقول الأخ عبده حسين صلاح كبير الأخصائيين في دار المخطوطات:
لتحقيق المخطوطات أهمية كبيرة في استقراء التاريخ فهي جزء من التاريخ وعملية تحقيق المخطوطات تحدث في المجتمع وفي الأوساط الثقافية حراكاً فكرياً ولهذا فعلى المشتغلين في تحقيق المخطوطات سواء كانوا جهة ثقافية أم أفراداً أن يقدموا على عملية التحقيق بحيادية كاملة بعيداً عن أي أمور سياسية.
ويضيف صلاح: ولأهمية عملية التحقيق فلابد من وجود لجنة تحقيق معتبرة تكون على دراية كاملة بتاريخ هذا البلد وتاريخ قبائله وعلى عرف الناس وتقاليدهم، كما لابد على المحقق أن يكون على خلق عال ودين وأن لا يكون مخلاً ولا مطنباً، كما أن عليه أن يراعي الجوانب الاجتماعية حتى لا يحرج أحداً من الناس.
تفعيل إدارة التحقيق
من جانبها ترى الدكتور أمة الملك اسماعيل الثور أستاذ مشارك في قسم التاريخ كلية الآداب بجامعة صنعاء ومشرف على عملية التدريب والتوثيق والفهرسة في دار المخطوطات بصنعاء أن على وزارة الثقافة تفعيل إدارة التحقيق التي تم إنشاؤها مؤخراً لتكون المعنية بهذا الأمر وأنا وزميلتي الدكتورة أمة الغفور الأمير والدكتور علي سعيد سيف سنعمل مع الإدارة من خلال إنشاء مشروع متكامل لتحقيق المخطوطات من داخل الدار، واختيار المخطوطات المهمة وتقديمها للطلاب.
وتضيف الثور: لطلاب جامعة صنعاء السبق في تحقيق المخطوطات منذ افتتاح مجال الدراسات العليا وكنا أربعة طلاب من أوائل من قاموا بهذا العمل وكانت أولى الرسائل العلمية المسجلة في الماجستير على تحقيق المخطوطات اليمنية في مجال التاريخ واللغة العربية والفلسفة وغيرها من المجالات.. كما نقدم شكرنا وتقديرنا للدكتور سيد مصطفى سالم الذي أبدى حماساً منقطع النظير في إخراج وتحقيق المخطوطات اليمنية ثم تلاه بقية الأساتذة وقد تعلمنا منه حروف وأبجديات تحقيق المخطوطات وكيف نتحمل ونصبر في عملية التحقيق.
التحقيق ليس بالأمر السهل
من جانبها تؤكد الدكتورة أمة الغفور عبدالرحمن الأمير: أستاذ مشارك في قسم التاريخ كلية الآداب بجامعة صنعاء ومشرف على عملية التدريب والتوثيق والفهرسة في دار المخطوطات بصنعاء على أن التحقيق ليس بالسهل وليس بإمكان أي شخص أن يقوم بهذه المهمة، فلا بد من إجراء التحقيق العلمي الممنهج، فإذا ما اتبع المحقق الأمانة العلمية الموضوعية الممنهجية في تحقيقه للمخطوط فمما لا شك فيه أنه سينتج مخطوطاً بقدر الإمكان موضحاً كما أراده مؤلفه وسيكون في متناول الكثير من الباحثين الذين يصعب عليهم الوصول إلى المخطوطات قبل تحقيقها.
وشددت على ضرورة أن يتمتع المحقق بالعديد من القدرات منها القدرة على قراءة المخطوط وأن يمتلك أدوات التحقيق، وأن يتميز بالموضوعية الكاملة في التحقيق بمعنى أن يتم تحقيق المخطوط وإخراجه كما أراده المؤلف لا كما يريده هو، ولا يقوم بالاجتزاء منه بما يتناسب مع ميوله أو فكره او اتجاهاته.
وكذلك أن يتمتع بالأمانة، وأن يكون لديه خلفية تاريخية كبيرة وأن يكون ملماً بالفترة التي سيكتب عنها أو التي تناولها المخطوط، فليس المقصود التحقيق فقط ولكن لابد من أن تشمل التحقيق دراسة تمهيدية تشمل دراسة المؤلف نفسه الذي كتب المخطوط ودراسة العصر اجتماعياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، ودراسة عن المخطوط.
وأن يتمتع بسعة الصدر بحيث يجمع أربع أو خمس نسخ ويفضل أن تكون الأقدم ويستمر في البحث حتى يصل إلى النسخة الأم فإذا ما وصل إلى النسخة الأم يتم المقارنة بينها وبين بقية النسخ، وعملية المقارنة هذه شيء صعب.
وأشارت الأمير إلى أن هناك العديد من الأشخاص ممن قاموا بالتحقيق من خارج جامعة صنعاء أمثال عبدالله الكبسي وعبدالسلام الوجيه، محمد عبدالرحيم جازم، وهذه بمبادرات شخصية منهم، غيرة على المخطوطات.
الصعوبات التي تواجه المحقق
وعن الصعوبات التي تواجه المحقق يقول الدكتور علي سعيد سيف أستاذ علم الآثار الإسلامية في قسم الآثار- كلية الآداب- بجامعة صنعاء ومشرف على عملية التدريب والتوثيق والفهرسة في دار المخطوطات بصنعاء:
كانت هناك صعوبات تواجه الباحثين في الوصول إلى المخطوطات وفي الحصول على صور منها في بعض الجهات التي تمتلك هذه المخطوطات، كما تواجه الباحث مشكلة عدم الحصول على نسخة أخرى للمخطوط بحيث تكون النسخة الأخرى في إحدى المكتبات العالمية وبالتالي فهو يحتاج إلى مراسلة هذه المكتبة والحصول على صورة من النسخة الثانية من أجل المقارنة، وفي هذا صعوبة أيضاً ويحتاج إلى وقت وجهد وغير ذلك.
ومن الصعوبات أيضاً عملية التصوير فقد يتم التصوير بطريقة رديئة، فتظهر الصورة مهزوزة أو أجتزئ منها جزء عند عملية التصوير وبالتالي تأتي الصعوبة عند المحقق في عملية القراءة وفي عملية المقارنة، وبالتالي تأتي الصعوبة في عدم إمكانية أخذ صورة أخرى.
وحالياً بدأت هذه الصعوبات تقل كثيراً عندما أنشئ مشروع فهرسة وتوثيق المخطوطات، حيث بدأت دار المخطوطات في تمكين الباحثين من الحصول على أي معلومات أو صور للمخطوطات.
التعدي على المخطوطات
في الوقت الذي لابد من أن تتوحد الجهود من أجل حماية المخطوطات وحمايتها من أية تحريف أو تشويه لها تؤكد الدكتورة أمة الغفور الأمير بأن هناك تعدٍ على المخطوطات من خلال القيام بتحقيق بعض المخطوطات بطريقة مختلفة عما يريد مؤلفها وحتى تغيير اسم المخطوط مثل مخطوط “بهجة الزمن في تاريخ اليمن” لمؤلفه يحيى بن الحسين بن القاسم الذي ألفه في ثلاثة أجزاء، وحين قام عبدالله الحبشي بتحقيقه اختصره إلى كتاب واحد وتم إصداره من أبوظبي في الأمارات تحت اسم “يوميات صنعاء” وربما السبب أن هناك الكثير من الكلمات التي لم يفهمها ولم تكن واضحة فاختصره بهذه الطريقة، وهذا خروج عن المألوف ومما يؤدي إلى الحكم عليه سلبياً.
وترى الدكتورة أمة الملك الثور بأنه لا يوجد رقابة يمنية على تحقيق المخطوطات اليمنية التي يقوم بها الأشقاء العرب، والملاحظ أن هناك إقبالاً مبرمجاً من قبل الأشقاء في السعودية للقيام بترجمة المخطوطات اليمنية، وهذا ما سمعته من إحدى الطالبات السعوديات التي اتصلت بي من السعودية تطلب مني بعض المعلومات، وقالت: إن المشرفين على الرسائل العلمية في الجامعات السعودية طلبوا التوجه لتحقيق المخطوطات اليمنية.
وتضيف الثور: والملاحظ في بعض المخطوطات التي يقوم بتحقيقها بعض الطلاب السعوديين أن ما يخص العلاقة اليمنية الحجازية والإشراف المباشر من قبل الأئمة على أشراف الحجاز، أو العلاقة المتبادلة بين اليمن والمناطق في السعودية يتم اقتطاع هذه الأجزاء من هذه المخطوطات عند تحقيقها، مما يعني أن التراث اليمني وتاريخ اليمن أصبح في متناول الجميع دون رقيب أو حسيب، وهذا لا يقتصر على التاريخ ولكن على الآثار وغير ذلك.
غياب النشر
تقول الدكتورة أمة الغفور الأمير: إن الكثير من الدراسات التي تمت في تحقيق المخطوطات لازالت في الرفوف لم تطبع أو تنشر كما أوصت اللجان المشرفة عليها، أما ما تم طباعتها فكانت بجهود شخصية على نفقة المحقق الخاصة أو في البحث على ممول لطباعتها.
ويرى الدكتور علي سعيد سيف أن دور وزارة الثقافة في نشر المخطوطات المحققة غائب إلا ما ندر، كما يغيب على وزارة الثقافة الجهة المحكمة أو اللجنة المحكمة التي تبدي رأيها حول أي كتاب وتقوم بتقييمه قبل طباعته ومن ثم توصي إما بطباعته أم لا.
وتضيف: وربما لو بدأت عملية النشر بجدية لأخرجت لنا التراث الموجود وهو تراث غير عادي، فهذه المخطوطات أولاً وأخيراً تدعونا إلى الوحدة الوطنية فنجد أن يحيى بن الحسين في كتابه “بهجة الزمان” يتحدث عن الكثير من الأحداث التاريخية في مناطق كثيرة ممتدة على أرض اليمن وتصل أحياناً إلى مكة المكرمة، وهذه تنمي عند اليمنيين أن هذه بلدنا ممتدة بهذه المساحة الشاسعة.. ونحن نفتقر إلى نشر الثقافة ونشر المعرفة ولا ترصد لها الأموال الكافية، على الرغم من أن هذا سيخلق جيلاً جديداً مثقفاً يعرف تاريخه ويحب أرضه وينمي فيه روح الوطنية.
الدور الشعبي
وعن بعض الدور الأهلية التي تهتم بالمخطوطات التقينا الأخ أحمد المقحفي مؤسس المركز اليمني للمخطوطات وإحياء التراث وهو مركز غير حكومي يقوم بدور الوسيط بين أصحاب المخطوطات ووزارة الثقافة كما يقوم باقتناء المخطوطات التي لا تقوم وزارة الثقافة باقتنائها ومنع تهريبها إلى الخارج، والذي يقول: إن إمكانيات المركز لا تؤهله إلى تأسيس هيئة خاصة تقوم بتحقيق المخطوطات على الرغم من التفكير في هذا الموضوع.
ويضيف: إن عملية التحقيق عملية تحتاج إلى ضوابط وشروط وعلى وزارة الثقافة القيام بالإشراف والنشر والطباعة حتى تكون الأمور واضحة، وهناك الكثير من الكوادر اليمنية تعمل في هذا المجال وكان لها دور كبير في تحقيق الكثير من المخطوطات في العام 2004م.
ويقول المقحفي: على المحقق أن يمتلك العديد من الميزات لكي يكون انتاجه مميزاً مثل الخبرة والممارسة والمعرفة الواسعة في أصول التحقيق وسعة الاطلاع، والاحساس بقيمة التراث العلمي والفكري، وأن يتمتع بالأمانة والتجرد من الأهواء الشخصية المذهبية وعدم السطو على جهود الآخرين، وأن يكون على معرفة كاملة بالبيليوغرافيات العربية وفهرس الكتب وأصول نشر الكتاب، واعتماد النسخ الأصل، إضافة إلى عدد من النسخ للمقارنة، وغير ذلك من الشروط والميزات التي لابد أن تميز المحقق.
الدور المطلوب
وتقول د.أمة الملك الثور: إن مخطوطاتنا تحوي مكنونات من الرسائل العلمية والنصائح الدينية من علمائنا في أصول الدين في التفسير وفي الحديث وفي الفقة، في الرسائل العلمية المتبادلة بين علماء الزيدية وعلماء الشافعية، كما كان علماء الحرم المكي والحرم النبوي يراسلون علماء اليمن في فتاوى ورسائل وأخبار ويستشفون منهم آراءهم والعكس كذلك، كان في اليمن وحدة دينية واحدة، الزيدي والشافعي وغيرهم يصلون في صف واحد، ولا وجود لأي منازعات.. فعندما نقوم بإخراج تراثنا نقول للعالم هذا هو ديننا الإسلام عاش فيه الناس بتسامح بمختلف طوائفهم، تعايشوا وتصاهروا أيضاً وتبادلوا العلوم المختلفة.
فيما يؤكد الدكتور علي سعيد سيف على أنه لابد على جميع شرائح المجتمع بما فيهم الإعلاميون والمفكرون والأكاديميون إبراز هذا التراث الثقافي غير الموجود في الكثير من الدول، وبث الوعي بأهميته بين أوساط المجتمع كافة، ولا ننسى دور وزارة التربية والتعليم في إثراء تاريخنا وإعادة النظر في المناهج الدراسية التي للأسف الشديد نجدها عقيمة ولا تلبي الطموحات سواء في مادة التاريخ أو في المواد الأخرى.
وتضيف الدكتورة أمة الغفور الأمير قائلة: إن دورنا جميعاً لابد أن ينصب على التراث والاهتمام به وتحقيقه ونشره وهذا سيعزز فينا الانتماء الوطني وهذا التراث غالٍ جداً ولابد أن نحرص عليه ونجعله بين حدقات عيوننا.. وتؤكد على أن عدم الوعي بأهمية هذا التراث ستكون عواقبه وخيمة، وستكون النتيجة تهريبه إلى خارج البلاد فالكثير من الدول تحاول استقطاب هذه التراث بكل الوسائل وبكل الإغراءات للاطلاع عليه واستخدامه والتحوير فيه.
فالكثير من المكتبات العربية والدولية تضم نفائس من مخطوطاتنا وتاريخنا تم تهريبها لعدم الوعي بأهمية هذا التراث، ولهذا فلابد علينا نحن اليمنيون أن نقوم بتحقيق التراث وطباعته ونشره بطريقة صحيحة ليستفيد منه الجميع في شتى أنحاء العالم.
وبهذا الخصوص على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على هذا التراث والعمل على اقتنائه بأي شكل من الأشكال لأن هناك الكثير من المواطنين لا يملكون الوعي الكافي بأهمية هذا التراث فإما أن يهمل في المكتبات الخاصة أو يهرب إلى الخارج.

الاقسام

اعلانات