الاثار العربية

جامع عسكر.. شاهدٌ على الحضارة الإسلامية والجغرافيا المميزة للبحرين

2askr

المنامة في 7 يوليو / بنا / دخلت البحرين الإسلام برسالة كتبها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى حاكم البحرين آنذاك، واختار أهلها هذا الدين العظيم طواعيةً؛ إيمانًا منهم وتصديقًا. ومنذ ذلك الحين والشواهد الإسلامية تتوالى لتصوغ حضارةً إسلاميَّة ضاربة الجذور في أعماق التاريخ الإسلامي لهذه الجزيرة الوادعة.

وقد اشتُهرت مملكة البحرين منذ بزوغ فجر الإسلام فيها بانتشار الشواهد الإسلامية والملتقيات والفعاليات الدينية، وانتشرت العلوم وكثُر العلماء.

وبفضل انتشار العلم والعلماء والقيم الإسلامية، اختطَّت البحرين طريقها في بناء حضارتها وهويتها الإسلامية، فأنشئت المعاهد والحوزات العلمية، وانتشرت الجوامع والمساجد والمآتم، وبرع المهندسون في فنون الزخرفة الإسلامية والخطوط العربية، فلم يعُد يخلو أيُّ شارع من شوارع البحرين من شواهد على حضارتها الإسلامية التليدة.

وحرص حكَّام البحرين وروَّادها على صون هذه الحضارة وترسيخها في النفوس، فاهتموا منذ القدم بدور العبادة بالإنشاء والترميم والصيانة والدعم، وقاموا برعاية المنارات العلمية، وأنشأوا عددًا من الجهات الرسمية وغير الرسمية لرعاية تلك الثقافة ومؤسساتها، وبرعوا في فنون العمارة الإسلامية الكاشفة عن هويتهم، فانتشرت في أوساطهم المساجد والجوامع لتكون رافدًا أصيلاً للقيم السماوية والثقافة الإسلامية التي ألقت بظلالها على عاداتهم وتقاليدهم وطِبَاعهم، مما بوأها مكانًا عليًّا في الخارطة الإسلاميَّة، وأكسب أهلها سمعةً ذائعةً في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وجعلها مقصد الوفَّاد والطلاب والزائرين.

وفي العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه ازدادت تلك الرعاية والدعم من خلال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، فاضطلع المجلس بدور حيوي ومهم في صون الواقع الإسلامي وتكريس قيم الإسلام ورعاية دور العبادة، كما أقرَّ المجلس خطة سنوية لإعمار الجوامع ورعايتها.

وتوالت الجوامع التي اضطلع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإعادة إعمارها وتجهيزها بما يضاعف دورها المهم والحيوي في البلاد، وذلك بالتعاون مع إدارتيْ الأوقاف السنية والجعفرية، ومنها: جامع المغفور له الشيخ علي بن خليفة بن سلمان بالمنامة، وجامع مؤمن بالمنامة، وجامع الشيخ حمد بالمحرق، وجامع مدينة عيسى الجنوبي الشرقي، وجامع جدحفص، وجامع مدينة عيسى الجنوبي الغربي، وجامع سترة، وجامع صلاح الدين بالرفاع الشرقي، وجامع رأس رمان. كما أسهم في بناء وترميم عددٍ آخر من الجوامع، ومنها: جامع الفاضل بالمنامة، وجامع الخيف بسماهيج.

وانطلاقًا من تلك الرسالة العظيمة، وتنفيذًا للأمر الملكي السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، يأتي افتتاح جامع عسكر بعد إعادة إعماره وتوسعته. ويعدُّ هذا المشروع أحد المشروعات الكبيرة التي قام بها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

ويقع جامع عسكر على مساحة تقدَّر بـ 1746 مترًا مربعًا، ويتسع لأكثر من 1300 مصلٍّ، واستغرقت مدة تنفيذه 25 شهرًا بتكلفة قدرها مليون و64 ألف دينار بحريني.

ويطلُّ الجامع على البحر في إطلالة فريدة تعكس صورة حيَّة للبحرين من حيث الحضارة والجغرافيا المتميِّزة. وزاوج البناء الجديد للجامع بين الهندسة المعمارية الإسلامية والاحتياجات العصرية ليكون الجامع تحفة معمارية تنضمُّ إلى شواهد الحضارة الإسلامية في البحرين ومعالمها.

ويضمُّ الجامع ثلاث قاعات للصلاة ومصلى للنساء وثلاث ميضآت، إلى جانب دورات المياه للرجال والنساء، بالإضافة إلى مجلس استقبال للمناسبات مع المرافق التابعة له، ومركز لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم مكون من ثلاثة فصول ومكتب للإدارة، وسكن للإمام وآخر للمؤذن. وتعلو الجامعَ منارةٌ يصل ارتفاعها إلى 36 مترًا، وزُوِّد الجامع بمجموعة من الخدمات كتوصيلات الهاتف وشبكة الإنترنت والتلفزة.

وروعيت في المشروع وسائل السلامة ومكافحة الحريق وترشيد الطاقة والماء عبر سلسلة من الإجراءات الفنية والهندسية بمراعاة نوعية مواد البناء المستخدمة وتركيب أجهزة الكشف عن الحريق ومكافحته، ووسائل لترشيد الكهرباء والماء.

ويعود تاريخ جامع عسكر إلى نحو 170 سنةً حين قام المؤسس المرحوم شاهين بن طوق بن سالم البوعينين بإنشائه، وأمَّه عددٌ من أبرز العلماء كالشيخ جاسم المهزع، والشيخ عبدالواحد إسماعيل، والشيخ محمد سعيد العازمي، والشيخ جاسم الزبيري، والشيخ عبدالله بن إبراهيم بوخماس البوعينين، وعددٍ من المشايخ من فارس والإحساء.

وتوالى على الأذان فيه عددٌ من المؤذنين المعروفين، ومنهم سعيد بن طوق البوعينين، ومحمد بن زايد (أبو زايد)، وأحمد بن إسماعيل البنغدير.

وتمت صيانة الجامع باستمرار على يد المؤسس وابنه محمد بن شاهين وعددٍ من المحسنين من تجار المنامة حتى جاء أمر صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه بإعادة إعماره وتوسعته، واضطلع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتنفيذ هذا الأمر السامي لنراه اليوم أمامنا صرحًا شامخًا يحكي تاريخًا عريقًا لمملكة البحرين ولأهلها الطيبين، ليضاف إلى المنارات الإسلامية البحرينية التي لطالما كانت أمانًا من الجهل، ورافدًا للخير، ومنجى من الفرقة.

الاقسام

اعلانات