الاثار العربية المتاحف والمعارض

جريمة في “متحف الجزيرة” تهدد لوحات بـ170 مليار دولار

image

 

إبراهيم سليمان
تعطل «16» كاميرا للمراقبة من أصل «21».. أجهزة التحكم والإنذار بلا صيانة.. ومحطة الكهرباء متوقفة عن العمل
«البوابة المصفحة» تفتح يدويًا بمجرد انقطاع التيار.. الرطوبة تهدد «اللوحات الزيتية».. ومقتنياته تبلغ 4200 قطعة
متحف «الجزيرة» بساحة دار الأوبرا المصرية، نموذج صارخ للعجز الذي يعانى منه المسئولون بوزارة الثقافة، فلم يجد إلى الآن من يعبر به لبر الأمان، الأمر الذي قد يعرض الأعمال التي لا تقدر بثمن إلى السرقة، بسبب عدم فاعلية النظم الأمنية المعمول بها، في المتاحف الفنية التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، وهو ما يعيد إلى الأذهان كارثة سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» من متحف محمود خليل عام ٢٠١٠.
المتحف بُنى في عام ١٩٣٦، وصممه المهندس مصطفى بك فهمى على طرازه الإسلامى الحديث، ونفذته شركة إيطالية، وافتتحه الملك فاروق، وكان يحمل اسم متحف الحضارة فقط، ويؤرخ لتطور الحضارة الإنسانية على مدى عصورها المختلفة، حتى جاءت ثورة ٢٣ يوليو وجمعت مقتنيات الأسرة الملكية من الأعمال الفنية، ثم قامت بوضعها بالمتحف، وافتتح للجمهور عام ١٩٥٧، وكان يحتوى على ١٤ صالة، غير أن عدوان ١٩٦٧ جعل الدولة ترفع الأعمال وتضعها في مكان آمن.
خلال هذه السطور نكشف بالمستندات الوضع البائس الذي يعانى منه متحف الجزيرة أو «لوفر الشرق»، كما يصفه عماد الشريف، مدير متحفى الجزيرة ومحمود خليل، الذي تقدم بالتماس للدكتور أحمد عبد الغني، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، قبل إعلان استقالته في شهر مارس الماضي، وذلك لإعفائه من إدارة المتحف، بعد انهيار المنظومة الأمنية بالمتحف، وخروج ١٦ كاميرا مراقبة من أصل ٢١ كاميرا، إذ لم يتبق بداخل المتحف المقام بأرض دار الأوبرا سوى ٥ كاميرات داخلية، وواحدة للمراقبة الخارجية، إضافة إلى سحب جهاز الـ«DVR» للصيانة منذ الثانى من شهر مارس، قبل عودته في ١٥ من الشهر ذاته، مع إفادة بكونه غير صالح للعمل، وهو الأمر الذي يتشابه مع سرقة لوحة «زهرة الخشخاش».
وتشير المستندات إلى عدم وجود أية صيانة لأجهزة التحكم والإنذار بالمتحف أو محطة الكهرباء التابعة له، التي تعطلت منذ أقل من شهر لنحو ١٠ أيام متواصلة، علما بأن التقارير الأمنية الأخيرة أكدت أن البوابة المصفحة تُفتح يدويا بمجرد انقطاع أو فصل التيار الكهربائي.
مدير متحفى الجزيرة ومحمود خليل، يؤكد أن أهمية متحف الجزيرة تأتى لما يحتويه من كنوز فنية تفوق مقتنيات متحف محمود خليل بمرات، والذي سُرقت منه لوحة «زهرة الخشخاش»، رغم تكلفته التي وصلت عند افتتاحه في عام ١٩٩٥ إلى ٢٩ مليون جنيه، ورصدت له بعد السرقة ميزانية تجاوزت الـ ١٦ مليونا، بإضافة إلى ملايين أخرى صرفت وتصرف على المتاحف دون أدنى تغيير، مضيفًا، أن المتحف يضم مقتنيات عدد من المدارس الفنية العالمية المختلفة على رأسها: «الإيطالية، والإنجليزية، والفلمنكية، والأمريكية، والفرنسية،»، إضافة إلى أعمال الجوبلان والسيفر والنسيج القبطى والإسلامي، والسجاد، والبورسلين الصيني، والتحف المعدنية من القرن الـ١٣ الميلادي، والزجاج البوهيمى والإسلامى والروماني، وخزف الرقة من القرن الـ١٣.
ومن الأعمال يضم المتحف أعمال لـ«ديجا، ورؤول دوفى، وشارل فرير، ورينوار، ومانيه، ومونيه، وكوربيه، وبوشيه، وسارتوريو، وفان دير، وهارلسن بان، وجون كونستابل، وديلاكروا، وروبنز، وسيسلي، وأنجر، وروسو، وبوننجتون، وماتيس، ورودان، كاربو، وسيمون ماري، وبورديل، وكلوزيل».
ويضم المتحف فنية تجاوز التقدير المالى لها الـ ١٧٠ مليار دولار، فيما يلفت «الشريف» إلى عرض مذكرة على رئيس قطاع الفنون التشكيلية، تضم نبذة عن متحف الجزيرة، وإجمالى ونوعية التحف به، وأرفق به صورة الملاحظات الأمنية.
ويقول: إن المذكرة أشارت إلى الحفاظ على ما قيمته أكثر من ١٧٠ مليار دولار، في ظل عدم استجابة من أي من قيادات القطاع، وذلك بالجهد البشرى المتواضع عبر إقامة «متاريس»، سجان لباب الهروب بعد خروج جهاز «ups» من الخدمة، لانتهاء العمر الافتراضى لبطاريته، وشراء مقابض لمحابس المياه، وإقامة غرفة تفتيش بـ«سلفه» من القطاع، وشراء علب «فوم سائل»، وسد فتحات دخول الفئران من خلال كابلات الكهرباء.
ويؤكد «الشريف» أن قيمة الأعمال الموجودة في مخازن متحف الجزيرة تساوى ١٠ أضعاف الاحتياطي النقدى بالبنك المركزي، فكيف يتم الحفاظ عليها، رغم أن اشتراطات الأمن غير مكتملة، حيث كان هناك اجتماع للجنة شكلت لفحص الموقف التأمينى لمخازن الجزيرة، برئاسة الدكتور صلاح المليجى رئيس القطاع السابق، وعضوية أحمد عبدالفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، وأيضا كانت هناك لجنة بشأن الأبواب المصفحة لمخزن الجزيرة، اجتمعت في ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٩، وكان من أهم توصياتها وجوب ربط أجهزة الإنذار المسموعة بأبواب الطوارئ، وملاحظة أن أبواب الأفراد داخل الأبواب المصفحة ليس بها إنذار، كما أن الأبواب المصفحة الخمسة عند انقطاع التيار الكهربائى أو فصل مصدر الكهرباء تُفتح بمنتهى السهولة، مؤكدا أن المتحف يضم ١٣٠٠ لوحة لكبار فنانى العالم، ومنهم على سبيل المثال هنرى ماتيس بلوحته الشهيرة «سيدة شرقية في مخدعها» التي تقدر بنحو ١٢٠ مليون دولار، وكذلك الفنان أوجين دلاكروا، ولوحته «زهور» التي يزيد سعرها على ٦٠ مليون دولار.
هناك احتياجات للمتحف سبق إرسالها عدة مرات للإدارة العامة للمتاحف الفنية، ومنها آلة تصوير مستندات ذات إمكانية تكبير وتصغير، و١٠ كراسى جلد، و٤ مكاتب موظفين، و٤ إستاندات، و٤ دواليب بمفتاح، و٦ شانون بأربعة أدرج، و١٠ أطنان سولار للمولد، لكن مسئولى القطاع لا يكترثون بذلك، بالرغم من قيام الدكتور عبدالواحد النبوي، وزير الثقافة، بزيارة مفاجئة للعديد من المتاحف، وتأكيده ضرورة انتهاء أعمال التطوير والتجديد والترميم، لكن لا يوجد شيء ملموس ولا حتى توافر نية الانتهاء من الأعمال الخاصة بالمتاحف التي تحمل ثروات قومية، وكنوزا نادرة لا تقدر بثمن.
وعن الملاحظات الأمنية في متحف الجزيرة أوضح أن ازدياد نسبة الرطوبة بالمخازن وصلت في بعض الأوقات إلى ٧٥٪، مما يعرض اللوحات الزيتية للتلف، وهذه المشكلة تحتاج فقط وضع أجهزة شفط الرطوبة مع الصيانة، إضافة إلى مشكلة نظام إنذار الحريق والسرقة، وهو قاصر من حيث فصل الإنذار بمفتاح، مما يجعله عرضة للتلاعب، ويجب وضع كود في «السيستم» نفسه من جزأين، جزء مع مدير المتحف والآخر مع مدير الأمن، كما أن الجهاز نفسه لا يعمل منذ ٨ مايو ٢٠١١ ولم يتم استيراد سيدهات التعريف الخاصة به حتى الآن، وشاشات العرض منها ما لا يعمل، وهى تحتاج إلى تركيب شاشات عرض جديدة أو صيانة الموجود منها على الأقل.
كما طالب بزيادة عدد الكاميرات، خاصة أعلى المبنى أو في مواجهة مبنى الخدمات، على أن لا تقل عن ثلاث كاميرات أعلى المبنى، بإضاءة ليلية، وكذلك كاميرتين حديثتين أمام المبنى، على أن تكون الإضاءة الليلية جيدة، وبالنسبة للبطاريات الجافة الخاصة بغرفة التحكم والأبواب المصفحة أكد أن عمرها الافتراضى انتهى ولا تعمل، ولذا لا بد من استبدالها بأخرى جديدة الصنع، وبخصوص كثرة أعطال لوحات الجهد المتوسط لمحطة الكهرباء اقترح عمل صيانة دورية لها، أما الـ«dvr» فيسجل يوما واحدا فقط، حيث إن سعته ١٥٦ جيجا ولا بد من تغييره بآخر يسجل شهرين أكثر سعة، مع توريد سيديهات التعريف الخاصة به، وكذا وحدة تخزين السجاد لا تعمل بها الحرارة أو الرطوبة منذ استلامها الابتدائى، في ظل غياب الصيانة لجميع أجهزة المتحف.
ورغم أن آخر تقرير لهيئة الرقابة الإدارية، جاء موجهًا إلى وزراء الثقافة من أيام الوزير الأسبق للثقافة فاروق حسنى حتى الوزير الحالى عن المشاكل والمعوقات التي تواجه العمل بالمتاحف التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، والتوصيات التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات، وبحث أسباب القصور والخلل واقتراح أنسب الحلول لها، إلا أن التحريات والمرور الميدانى طالبا بإغلاق متحف الجزيرة منذ عام ١٩٨٩ لإجراء أعمال الإحلال والتجديد والتطوير به، لعدم توافر الاعتمادات المالية، بالرغم من أن مقتنياته تبلغ ٤٢٠٠ قطعة، كما تبين وجود العديد من المقتنيات الأثرية بدون ترميم بالمخازن، ويرجع ذلك إلى تطبيق رئيس قطاع الفنون التشكيلية لائحة المخازن على كل متاحفها، وعدم تطبيق لائحة المتاحف، أسوة بالمتاحف التابعة للمجلس الأعلى للآثار، ما ترتب عليه تطبيق الإجراءات الخاصة بلائحة المخازن من حيث وجوب تكهين الأصناف بالمخازن.

الاقسام

اعلانات