الاثار العربية

عالم النهار الآثار في سوريا بين التدمير والتهريب والسرقة والتنقيبات غير المشروعة

P16-01-N25136-640_651370_large

منذ القدم كانت سوريا مهد التاريخ والحضارات والاديان، على ساحلها وجدت لوحات الأبجدية الاولى في رأس شمرا- أوغاريت، وتعتبر دمشق اقدم مدينة مأهولة في العالم. اليوم، وتحت عناوين شتى، يدمّر هذا الارث الثقافي، وتخرّب الآثار أو تنهب أو تهرّب، تماماً مثلما حصل في العراق، فيمحى تاريخ الشرق وتدفن ذاكرة الزمان والانسان.

منذ اندلاع الحرب في سوريا، تتعرّض المواقع الاثرية والمتاحف في مختلف المناطق للنهب والسرقة على يد المهرّبين وتجار الآثار، كما تتعرّض الكنائس والاديرة التي تعود الى مئات السنين، للهدم على يد الاصوليين الذين يعيثون فيها نهباً، قبل تدميرها.
حاولت السلطات المعنية السورية انقاذ ما امكن من الكنوز والقطع الاثرية الموزعة على 11 متحفاً وطنياً ، ووضعت خطة حماية استراتيجيّة، لكن ماذا يمكنها أن تفعل لحماية المواقع حيث كانت تجري تنقيبات وحفريات اثرية، تقوم بها نحو مئة بعثة اثرية اجنبية وعربية وسورية، في مختلف المحافظات والمناطق؟ وكيف هو وضع الآثار في هذا البلد الغني بشواهد التاريخ؟
في آخر تحديث على موقعها الالكتروني، اشارت “المديرية العامة للآثار والمتاحف” في سوريا الى ” الانعكاس السلبي للأزمة الحالية، على التراث الثقافي السوري، إذ تعرّضت بعض المواقع الأثرية في المناطق الساخنة لأعمال تنقيب وتخريب وسرقة، ونشطت عصابات تهريب الآثار، كذلك نشطت حركة التزوير، وتضررت بعض المباني الأثرية في بعض المحافظات”. واكدت في المقابل “بذلها جهوداً حثيثة للحد من تأثيرات الأزمة الراهنة على الآثار، وتحقيقها نجاحاً على صعد عدة، أولها حماية مقتنيات كل المتاحف على امتداد سوريا ونقلها إلى أماكن آمنة، واسترداد مسروقات أثرية من بعض المواقع عبر مصادرات حدودية”.

المتاحف
على الطريقة اللبنانية اثناء الحرب، افرغت مديرية الآثار السورية ” كل المتاحف من القطع الأثرية التي غلّفت ونقلت إلى أماكن آمنة، وتمّ تركيب أبواب حديدية إضافية لها، كما نقلت جميع الوثائق التاريخيّة المهمة إلى مستودعات مخصصة ومؤمنة ضد أخطار السرقة والحرق والرطوبة”. وطمأنت أن “جميع المتاحف السورية عموماً بحالة ممتازة، باستثناء بعض الأضرار، اذ اقتصرت السرقات منذ بداية الحوادث على قطعتين أثريتين، هما تمثال برونزي مطلي بالذهب يعود الى الفترة الآرامية من متحف حماه، وقطعة حجرية رخاميّة من متحف أفاميا. كذلك تعرض متحف التقاليد الشعبية في حلب للسرقة، ومتحفي حلب الوطني ودير الزور لخسائر مادية، ومتحفا التقاليد الشعبية في حمص ودير الزور لأضرار مادية، لكن القطع التراثية كان قد تمّ ترحيلها، خصوصاً المهمّة منها، وسرقت 17 قطعة فخارية وبعض الدمى الطينيّة من قاعة العرض في قلعة جعبر في الرقة”.

المباني والمواقع التراثية
وفي تقييم لوضع المباني والمواقع التراثية، اشارت المديرية الى تعرض مئذنة الجامع الأموي في حلب، الذي يعدّ واحداً من أهم الجوامع الأثرية في سوريا، للتدمير نتيجة الاشتباكات الدائرة، واحرقت مئات من المحال التراثيّة في الأسواق القديمة، والتهمت النيران البضائع والأبواب الخشبيّة الجديدة لبعضها، خصوصاً في أسواق: الزرب، العبي، العتمة، العطارين، النسوان، الصوف والصاغة. واكدت مديرية آثار حلب تعرّض بعض المباني في حلب القديمة، والبيمارستان الأرغوني فيها (المعروف بمتحف الطب والعلوم) لبعض الأضرار، نتيجة الاشتباكات.
على صعيد المواقع الاثرية تعرضت قلاع المضيق، والحصن، وشيزر، والرحبة، ومدخل قلعة حلب وبرجها الشمالي، الى أضرار محددة ومحصورة في نقاط معينة. وفي حمص تضررت كنيسة أم الزنار (ويقال إنها سويت بالارض بعدما نهبها الأصوليّون)، إضافة إلى كنائس أخرى، وبعض الأسواق القديمة في المدينة نتيجة الاشتباكات. وفي درعا، دمّرت مئذنة الجامع العمري الذي تعرض إلى أضرار نتيجة سقوط قذائف عدة في صحنه وعلى مئذنته وفي محيطه، وجامع الحراك الأثري في إزرع . وطالت الاضرار في بصرى، المدرجة في لائحة التراث العالمي، مبنى مبرك الناقة، ومعبد حوريات الماء (المسمّى شعبياً سرير بنت الملك)، والساكف الوحيد المتبقي فوق الأعمدة، وبعض البيوت القديمة. وانحصرت انعكاسات الاشتباكات الدائرة في البساتين خارج مدينة تدمر بأضرار سطحية في نقاط محددة من الجدار الداخلي لواجهة معبد بل الغربية.

التنقيبات والتخريب في المواقع الأثرية
نشط لصوص الآثار تحديداً في المواقع الأثرية الساخنة والبعيدة، لصعوبة توفير الحماية بسبب نقص أعداد الحراس، وبعدها عن المجتمع المحلي، حيث رصدت عمليات سرقة وتخريب وتدمير منهجي واعمال تنقيب غير مشروعة، بطريقة متفاوتة بين موقع وآخر. ويمكن تحديد أهم الإعتداءات في مواقع في الرقة، ودير الزور، وايبلا في ادلب، وافاميا في حلب، وحمص، ودمشق وريفها. وأوضحت دائرة آثار ادلب أن “طبيعة الحفر وأماكنه توحي باستعانة اللصوص بخبراء في البحث والتنقيب عن الآثار، إذ يتم الحفر بأسلوب منظّم، ويتركز عموماً في أماكن محددة داخل الكنائس وتحت النواويس وحولها، بحثاً عن دفائن وكنوز، كما تؤكد المعلومات المستقاة من أبناء المجتمع المحلي وجود الكثير من تجار الآثار والمهرّبين من المنطقة وخارجها، بخاصة من تركيا”.

استراتيجيّة الحماية
واعلنت “مديرية الآثار والمتاحف” انها اتخذت سلسلة من التدابير والإجراءات الاحترازية في اطار استراتيجية وضعتها وتتبعها لحماية الآثار والكنوز التاريخيّة، ابرزها: وضع جميع القطع الأثرية في أماكن آمنة، وتركيب أجهزة إنذار في بعض المتاحف والقلاع، وزيادة عدد الحراس وتكثيف دوريات المناوبة، وابلاغ “الإنتربول” عن كل ما فقد أو عن جميع ما انتشر على الهواتف الخليوية من صور يعتقد أنها للقى أثرية سورية غير مكتشفة وغير مسجلة، ربما وصل إليها لصوص الآثار عبر التنقيب غير المشروع في المواقع البعيدة. واسفر التعاون بين وزارة الثقافة والاجهزة الامنية لتأمين حماية المواقع الأثرية، عن استعادة مسروقات أثرية عبر مصادرات في دمشق وطرطوس وتدمر وحمص وحماه ودير الزور وغيرها، بلغ مجموعها حوالى 4 آلاف قطعة تبدأ من خرزة أو مسكوكة، وتنتهي بتمثال أو لوحة فسيفساء، علماً أن ثمّة نسبة من هذه المصادرات تبيّن أنها مزّيفة. وانجزت المديرية كذلك “اللائحة الحمراء بالممتلكات الثقافية السورية المهددة بالخطر”، تسهل التعرّف إلى الآثار السورية وحمايتها واستعادة المسروق منها، واطلقت اخيراً حملة وطنية لإشراك المجتمع المحلي في حماية آثار بلاده.

التهريب الى لبنان
تبيّن للمعنيين أن سوق الاتجار بالآثار السورية ازدهر في لبنان ، فتم التعاون مع مديرية الآثار في لبنان و”الانتربول” ومنظمات دولية اخرى في مجال مكافحة الإتجار بالآثار السورية، وأثمر عن مصادرة 18 لوحة فسيفساء سورية على الحدود اللبنانية – السورية، و 73 قطعة أثرية مهرّبة كانت معروضة للبيع لدى تجّار آثار، كشفت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية عن جزء منها.
والسؤال: في ظل استخدام مختلف الافرقاء وسائل العنف المتطورة من دون وازع، هل سيبقى حجر على حجر ليخبر قصة سوريا عبر الزمان؟

الاقسام

اعلانات