مقالات

مساجد مراكش المرابطية

5701294-8502151
بعد هذا الجرد العام لمساجد مراكش، سأحاول أن أعرف ببعضها حسب ما توصلت إليه من معلومات مبعثرة في المراجع، عن بنائها وبانيها، وما طرأ عليها من أحداث وغير ذلك. وهي مرتبة حسب العصور، كما أن المساجد مرتبة ترتيبا أبجديا حتى يسهل على الباحث العثور على مبتغاه.
الجوامع المرابطية:

– جامع تورزجين: ورد ذكره في التشوف في ترجمة أبي عبد الملك مروان بن عبد الملك اللمتوني العابد حيث قال: [….. حدثني الثقة أن مروان بعث إليه القاضي أبو يوسف حجاج بن يوسف أن يصل من فاس ليقدمه على خطة الحسبة بمراكش، فلما قدم سمع بعابد أجذم بمسجد تورزجين]. ومعنى التورزجين: المسعودات أو المبروكات. اندثر.

– مسجد الطوب: أول مسجد بني بمراكش قرب قصر الحجر، والذي شارك في بنائه يوسف بن تاشفين ونزل فيه المهدي بن تومرت لما دخل إلى مراكش أول مرة. وهدم بأمر من عبد المومن ابن علي، ولعله هو مسجد صومعة الطوب. اندثر.

– مسجد عرفة: استقر فيه المهدي بن تومرت بعد المذاكرة التي جرت بينه وبين فقهاء المرابطين. اندثر.

– مسجد ابن يوسف: لما كثر العلماء، وتوافر عدد الطلاب بمراكش، فكر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين في إنشاء جامع يؤدي وظيفتين: الوظيفة الدينية التعبدية، والوظيفة التعليمية، فشرع في تشييد الجامع – الذي ظل يحمل اسمه عبرا لقرون و الأجيال ـ سنة514هـ/1120م.
وسمي الجامع أحيانا بجامع السقاية، نسبة إلى السقاية التي أحدثها علي ابن يوسف إزاءه، قال أبو علي صالح المصمودي: (… بنى علي بن يوسف قبلة جامع السقاية وجعل محرابه في الجدار الذي يلي القطانين فحولت بعد ذلك إلى الموضع الذي كان فيه الآن، وموضع المحراب الأول معروف إلى الآن). ونرى ذلك في بعض الكتب المحبسة على المسجد مثل مصحف المرتضى الموحدي الذي كتبه بيده في عشرة أجزاء، ويعد هذا المصحف أقدم مصحف معروف مكتوب بالمغرب، وقد حبسه على جامع السقاية كما جاء في عبارة التحبيس. نص التحبيس: (حبسه كاتبها بيمينه عبد الله عمر الموحدي على من يقرأ فيها من المسلمين، وكان استقرارها بالبيت المعد للمصاحف المحبسة قبلها بالقبلة المتصل بالمحراب هناك، وكتب في الثاني من رجب 656 هـ وتحته إمضاؤه. والتوقيع هذا صحيح نحن أمرنا به وأن يشهد علينا بمضمنه إن شاء الله عز وجل، وذلك في التاريخ المذكور جعل الله ذلك ذخرا لدينا). كما سمي بجامع المرتضى في بعض المصادر، لأن هذا الخليفة أعاد بناءه من جديد سنة 654 هـ/1256 م بعد أن خربه الخليفة عبد المومن الموحدي.
ويحدثنا التاريخ أن الأمير اعتنى اعتناء فائقا بهذا الجامع، وحشر لتصويب قبلته أربعين فقيها من فقهاء الأندلس من بينهم ابن رشد الكبير، ومالك بن وهيب وغيرهما. يقول أبو علي صالح المصمودي: [ولم يكن في المغرب الأقصى محراب اشتهر أن الفقهاء أجمعوا على تصويب قبلته عند بنيانه فيما بلغ علمنا إلا مسجد واحد هو مسجد علي بن يوسف بمراكش. فجمع علي ابن يوسف على تصويب قبلته أربعين فقيها أو أكثر فيهم مالك ابن وهيب، وأبو الوليد ابن رشد صاحب البيان].  وقد كلف بناء الجامع ستين ألف دينار مرابطية.
وعندما دخل عبد المومن الموحدي مدينة مراكش بعد حصار دام سبعة أشهر، قام بتنفيذ وصية المهدي بن تومرت التي يقول فيها: [لا تدخلوها حتى تطهروها]، أي مراكش. وقد فسر الفقهاء الموحدون هذه الوصية بكون المساجد المرابطية منحرفة عن القبلة الصحيحة، فكان لابد من تطهير المدينة من هذه المساجد بهدمها وتعويضها بأخرى ذات الاتجاه الصحيح. يقول الحسن الوزان: [وقد هدمه عبد المومن وأعاد بناءه بغرض واحد هو أن يمحو اسم علي ويجعل اسمه هو مكانه، فذهب عمله سدى، لأنه لا يجري على ألسنة الناس الآن إلا الاسم القديم].
ثم أعاد بناءه الأمير المرتضى الموحدي سنة 654هـ/1256 م، ثم جدد في العهد المريني يوم بنيت المدرسة إزاءه من طرف يعقوب المريني، ثم أتمها أبو الحسن، ثم أصلحها عبد الله الغالب بالله السعدي سنة 973 هـم 1565م،  وفي عهد المولى سليمان العلوي أعيد إصلاحه وبناء صومعته الحالية عام 1235هـ/1819 م، وترك غربي المسجد أسس الصومعة القديمة. أما بنايته الحالية فهي لا تمثل إلا جزء من المساحة التي كان يشغلها في العصر المرابطي.
ومنذ أسس هذا الجامع وهو مركز من مراكز العلم والثقافة، تشد إليه الرحال، وتعج رحابه بالعلماء وشيوخ العلم، يتنافسون على الإمامة والخطابة والتدريس به. فانقطع إليه من الأندلس من كل علم فحــوله، واجتمع له من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من العصور.
وللمسجد ذكر حافل من قديم، فقد قيلت فيه كلمات ثناء وتعظيم، منها ما قاله الشيخ سعيد بن عبد المنعم: [عجبت لمن يقول مراكش لغير جامع بن يوسف]. وجاء رجل من أكابر أهل فاس لزيارة الشيخ سيدي أبي عمرو القسطلي، فالتقى به في ملأ من الناس، فاستحضر الزائر معه من الأدب ما يستحضر الأكياس، فسأله الشيخ عن البلد وسكانها؟ فقال له الزائر من جهة التعجب والتعظيم: الله الله إن جامع القرويين يكاد ينبع العلم من حيطانها، فقال له الشيخ: الله الله إن جامع ابن يوسف يكاد السر ينبع من حيطانها، فانقطع كلام المتكلم، حين ظهر له ما بين السر والعلم].

الاقسام

اعلانات