مقالات

قلعة الحصن.. تحفة معمارية تعانق السماء

index

* أروع ما خلفته لنا القرون الوسطى من فن العمارة وتحصيناتها العسكرية
* تقع في شعاب جبال النصيرية وسط سورية فوق ذروة مرتفعة تزيد على 2100 قدم
* تتسع لحوالي 2000 جندي و400 فارس وكانت المؤونة تكفي خمس سنوات
* الفرسان أهم قاعاتها وتتبع الفن القوطي في هندستها

تعد قلعة الحصن من أروع ما خلفته لنا القرون الوسطى من فن العمارة وتحصيناتها العسكرية حيث وصفها «لورانس العرب» في كتاب عن القلاع الصليبية أنها أهم قلعة من حيث الفن العسكري والقيادة في القرون الوسطى.

قلعة الحصن من أهم الأوابد الأثرية والتاريخية والمعمارية في سورية وهي من أهم قلاع القرون الوسطى وأضخمها وأشهرها في العالم وأفضلها محافظة على بنائها حتى يومنا هذا وتتميز بهندستها العسكرية وقوة تحصيناتها الدفاعية فهي تتميز ببنائها وزخارفها الرائعة وبجدرانها وأبراجها العالية ودهاليزها ومقاذيفها وشقوق مرامي السهام وسلسلة من شرفاتها البارزة بحيث تحمل مزيجاً من حضارات الشرق والغرب في فن العمارة.

قلعة الحصن أو كراك دوشوفلية أو حصن الأكراد هي قلعة تقع ضمن سلاسل جبال الساحل السوري غرب حمص بـ 60 كم في سورية، شيدها المرداسيون عام 1031، وبعد قدوم الصليبيين عام 1099 استولى على الحصن ريموند صنجيل ونهب كل ما كان حولها من قرى ومزارع ثم استرجعها منه أمير حمص سنة 1102، وقام بعدها الأمير تانكرد صاحب أنطاكية عام 1110 بالاستيلاء عليها وفي 1144 قام ريموند الثاني أمير طرابلس بتسليمها إلى فرسان القديس يوحنا المعروفين بالاسبتارية أو فرسان المشفى، ومنذ ذلك الحين بدأ المكان يعرف باسم حصن الفرسان، وقد أعاد الاسبتارية بناء الدفاعات الجديدة للقلعة، وقاموا بترميمها بعد الزلزال الذي أصابها عام 1157 وتعد من أجمل القلاع في الشرق.

تبعد عن مفرق طريق العريضة بحوالي 21 كم وعلى بعد 60 كم من حمص، عرفت باسم حصن الأكراد، حيث أقام منشآته أحد أمراء حمص لمراقبة الطريق بين الساحل والداخل. ونظراً لأهمية موقعها الاستراتيجي فقد احتلها الصليبيون عام 1109م وعدلوا في بنائها ووسعوها لتخدم أغراضهم العسكرية. ومنذ ذلك الحين عرفت لدى الأوروبيين باسم Crac des chevaliers، وتعد قلعة الحصن نموذجاً كاملاً للقلاع العسكرية المحصنة. فلقد اتخذت شكل مضلع غير منتظم طول قطره الكبير 200م والصغير 140م.

قلعة الحصن لم تبن دفعةً واحدة ولم يكن لها طابع واحد. وقد جرى توسيعها مرات عديدة وتناولتها الأيدي بالترميم والتحصين، وأخذَت أسماء متعددة عرفَت بها. فهي «حصن السفح» تارة و«حصن الأكراد» تارةً أخرى ومرةً «حصن الفرسان» وأخيرا «قلعة الحصن».

في بداية القرن الحادي عشر بدأ الأوروبيون بتجهيز حملات إلى منطقة بلاد الشام من أجل السيطرة على بيت المقدس تحت دعوة البابا أوروبان في مجمع كليرمونت سنة 1098م أدت إلى خروج حملات لحماية المسيحيين في منطقة بلاد الشام وبدأ الفرنجة بالتوافد وبدأ بتأسيس إمارات متعددة من إنطاكية حتى القدس وكانت هناك قلاع وحصون تتبع لهذه الإمارات منها قلعة صلاح الدين في الساحل السوري حيث كانت تسمى قلعة صهيون وبعدها قلعة المرقب وبرج صافيتا وفي ذلك الحين استطاع الفرنجة بقوتهم العسكرية السيطرة على حصن الأكراد وبدؤوا بالتفكير لتوسيع هذا الحصن وتطويره تحت إشراف أمير إنطاكية القائد تانكريد سنة 1099 م، وفي عام 1110م تم تسليم القلعة إلى أمير طرابلس القائد ريموند صنجيل صاحب مدينة تولوز في فرنسا وبدأ ببناء عدة أقسام رئيسية فيها وفي عام 1142 م تم تسليم القلعة لعدد من الفرسان الفرنجة وسمي هؤلاء باسم فرسان الإسبتارية أو المشفي أوالقديس يوحنا، كما تم تسميتها فيما بعد فرسان مالطا حيث بدؤوا ببناء الأقسام الرئيسية أيضاً في القلعة واستمر البناء قرابة 75 عاماً حيث تعرضت القلعة آنذاك إلى عدة زلازل أدت لتدمير العديد من الأجزاء وذلك في السنوات 1157م و1169م و1201م، وكانت القلعة تقع على الطريق التي يدعوها الفرنجة طريق الحج إلى القدس أو الأرض المقدسة وكانت القلعة عبارة عن سكن لعدد من الفرسان من أجل أن يقوموا بتزويد الحجاج بالمؤن اللازمة لعودة الحجاج.

وكانت القلعة تتسع لحوالي 2000 جندي و400 فارس وحصان وكانت المؤنة تكفي حوالي 5 خمس سنوات للفرسان داخل القلعة.
وتتجلى أهمية القلعة حالياً كونها من أهم الثكنات العسكرية المخصصة للفرسان، كما أن الفن المعماري من العقود التي من أجمل فنون البناء في القلعة.

وتمتاز القلعة عن باقي القلاع بفنها المعماري الذي يدعى الفن القوطي حيث يعتبره المؤرخون من أجمل فنون العمارة في القرون الوسطى وهي الفترة التي استطاع من خلالها الفرنجة بناء أجمل الكنائس في أوروبا وعلى سبيل المثال كنيسة نقوردما في باريس، هذا وقد تعرضت القلعة إلى عدة هجمات من القادة العرب والمسلمين حيث إن القائد نور الدين الزنكي أمير دمشق حاصر القلعة عام 1163م وبعض المصادر تقول إنه استطاع دخولها ولكن بعد فترة وجيزة استرجعها فرسان الفرنجة، وفي عام 1188م تم حصار القلعة من قبل القائد صلاح الدين الأيوبي ودام الحصار قرابة الشهر ولم يستطع دخولها لمناعة حصونها وأسوارها الضخمة والمؤنة الكافية وتم ذلك الحصار بعد أن فتح القائد صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس وذلك عام 1187م و583 هـ، وبعد تحرير القدس بدأ بتحرير عدد من القلاع والحصون إلا أن حصن الفرسان هو الحصن الوحيد الذي وقف أمام أسواره ولم يستطع القائد صلاح الدين دخوله.

وفي عام 1271 م الموافق 670 هـ استطاع الظاهر بيبيرس -أحد المماليك المصريين- دخول هذا الحصن بعد عدة محاولات وبعد حصار دام 45 يوماً دخل القلعة من الجهة الجنوبية بعد فتح عدة فجوات وثغرات في السور الخارجي للقلعة حيث تصدعت أجزاء من سورها الخارجي.

وقام الظاهر بيبرس بترميم ما تصدع وتهدم من السور الخارجي والمدخل الرئيسي وبرج الظاهر بيبرس الموجود في القسم الجنوبي من القلعة، وفي داخل هذا البرج توجد كتابات عربية «بسم الله الرحمن الرحيم أمر بتجديد هذا الحصن المبارك في عهد دولة مولانا السلطان الملك الظاهر بيبرس العالم العادل المجاهد المظفر ركن الدنيا والدين أبو الفتح بيبرس قصيم أمير المؤمنين وذلك نهار الثلاثاء 25 شعبان الموافق 669 هـ والموافق 1271 م».

تمتد القلعة مع خندقها على مسافة 240 مترًا من الشمال إلى الجنوب و170 مترًا من الشرق إلى الغرب. وتقدر مساحتها بثلاثة هكتاراتٍ، وتتكون من حصنين داخلي وخارجيّ، بينهما خندق وحولهما خندق يشرف عليها جميعًا قصر تحميه أبراج.
وتتسع القلعة لحامية يزيد تعدادها على ثلاثة آلاف محارب مع عتادهم وخيولهم ومُؤونهم.

وتتألف القلعة من حصنين: الحصن الداخلي وهو قلعة قائمة بذاتها يحيط بها خندق يفصلها عن السور الخارجي، ولها بوابة رئيسية تتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل ينحدر تدريجياً حتى الباب مؤلفاً منعطفاً دفاعياً في منتصفه. ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق، ويمتاز بأبراجه العالية ويتألف من طابقين، ويضم فسحة سماوية تحيط بها الأقنية (العنابر) وقاعة الاجتماعات، والكنسية والمطعم والحجرات والمعاصر. أما الدور العلوي فيحتوي على أسطح مكشوفة ومهاجع وأبراج. أما الخندق المحيط به فمحفور في الصخر، سلطت عليه أقنية تحمل إليه مياه الأمطار.

أما الحصن الخارجي فهو السور الخارجي للقلعة وهو حصن قائم بذاته، يتألف من عدة طوابق، فيه القاعات والاصطبلات والمستودعات وغرف الجلوس وهو مزود بـ 13 برجاً بعضها دائري وبعضها مربع أو مستطيل، وهو محاط بخندق.

تحتوي قلعة الحصن على مجموعة من أروع القاعات التي لا يمكن إيجادها في أي قلعة أخرى في أي دولة في العالم ومن هذه القاعات قاعة الفرسان الفريدة في هندستها التابعة للفن القوطي الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وكذلك قاعة الكنيسة التي تم تحويلها في العهود الإسلامية إلى مسجد وكان للكنيسة بعض الرسوم القديمة التي تزينها مازالت آثارها موجودة حتى الآن، وقاعة المخازن التي تخزن فيها المؤن للجنود ويوجد فرن دائري الشكل لصناعة الخبز، بالإضافة إلى مهاجع نوم الجنود والمسرح وهو ذو شكل دائري والأبراج العلوية وفيها برج قائد الفرسان وبرج قائد القلعة وهو البرج الوحيد المبني على شكل دائري وأخيراً برج بنت الملك وهو الآن مستثمر كاستراحة ومطعم للسياح الذين يتوافدون من كل مكان لرؤية تلك التحفة المعمارية.

الاقسام

اعلانات