المتاحف والمعارض

محل أبو غانم.. متحف للنوادر وجولة في تاريخ وتراث العراق

92

في منطقة الدواسة وسط مدينة الموصل، ثمة متجر متوسط المساحة تكتظ جدرانه ورفوفه وأرضيته بأكثر من ألفي قطعة من التحف والنوارد لحقب زمنية مختلفة، عمر البعض منها مئات السنين.

جمع التحف والنوادر أو ما يسمى محلياً “الانتيكات”، هواية مارسها محمود غانم منذ نعومة أضفاره وبالرغم من كثرة انتقادات عائلته والمقربين منه له كونها لم توفر له مردوداً مادياً يمكن الاعتماد عليه في المعيشة إلا أنه بقي وفياً لها حتى يومنا هذا.

جولة في التاريخ

غانم الذي تجاوز منتصف عقده الخامس من العمر، المكنى بأبو غانم، ورث هذه الهواية من والده “الشهير في مدينة الموصل بأبو مزاحم الباججي، حيث كان لديه مطعم للباجة، فقد كان يجمع النوادر من العملات النقدية والطوابع والصور، كنت حينها طفل” ، يقول غانم في حديثه لـ”السومرية نيوز”.

ويضيف “كبرت وكبرت معي هواية جمع كل ما هو نادر ونفيس من أواني وعُدد ومصوغات وتحفيات وكل شيء أجده فريداً من نوعه”.

ويتابع غانم “لم يقتصر الأمر على مدينة الموصل ومحافظة نينوى، بل بدأت أجوب جميع أنحاء العراق بحثاً من الانتيكات”، مبيناً “لدي نوادر أعمارها مئات السنين، ومن الحقبة العثمانية وأخرى من العهدين الملكي والجمهوري”.

ويشير إلى أن لديه “عدد وآلات منزلية أوروبية عمرها مئات السنين أيضاً”، مضيفاً “بعد أن جمعت آلاف القطع النادرة افتتحت هذا المحل ليكون معرضاً يتسنى لكل مواطن أن يشاهد فيه هذه النوادر ليطلع على تراث وتاريخ بلده وأجداده وثقافات المجتمعات الأخرى”.

ويبين أن معرضه يضم “مقتنيات ومصنوعات لمختلف الأديان والطوائف، من الخشب والنحاس والفضة والجبس والحجارة والفخار، كل ما يخطر في خيال الزائر سيجده في محلي”.

هواية وليست تجارة

عادة ما تحظى المقتنيات التراثية والتاريخية باهتمام كبير سواء من قبل المختصين أو المواطنين، إلا أنها حين تتحول إلى مصدر رزق شحيح تثير الكثير من الانتقادات، وهذا ما يواجهه محمود غانم، إذ يؤكد “هذه هوايتي ولا أبغي من ورائها الربح أو التجارة، بل هي اعتزازاً بتاريخ العراق وتراثه”.

ويقول “اتعرض لنقد الكثيرين، وأولهم الناس المقريبن مني الذين يقولون لي دائما أن هذه الهواية تسببت بتدني مردودي المادي، ويطالبونني ببيع ما موجود والإفادة من أسعارها”.

غير أن الأمل ما زال يحدو غانم بأن تعود السياحة في نينوى إلى سابق عهدها، “أنهم لا يعرفون مدى أهمية هذه النوادر بالنسبة لي، أنا انتظر أن تعود السياحة للموصل لكي يستطيع من يزور العراق الاطلاع على تاريخه من خلال هذه المقتنيات”.

البيع للعراقيين فقط

ولا يقتصر تنازل غانم عن تحسين وضعه المعيشي فقط، بل أنه عاهد نفسه أن لا يبيع تحفه ونوادره لغير العراقيين “أنا لا أبيع مقتنياتي إلا للعراقيين فقط، ومن أبناء مدينتي الموصل لكي لا تذهب هذه المقتنيات الحضارية إلى خارج البلد”.

ويؤكد “تلقيت عروضاً مغرية جدا من جهات خارج الموصل وخارج العراق لبيع جميع ما موجود في محلي لكنني رفضت، بل أنني رفضت حتى عرضاً لنقل محتويات محلي إلى إقليم كردستان، اعتزازا بتاريخ مدينتي”.

ويتمنى غانم مبادرة من قبل المعنيين بهذه الثقافة في العراق سواء من جامعة الموصل أو الدوائر ذات العلاقة أو الحكومة المحلية لتخصيص مكان لهذه المقتنيات لجعلها متحف يسهل على المواطنين والوفود الرسمية بزيارته والاطلاع على تاريخ العراق وتراثه ونشر حضارته “لكن للأسف لم أجد أي جهة تدعم هذه المبادرة للحفاظ على موروثاتنا”.

استذكار التاريخ بنظرة

المواطن سعد علي، في العقد الثالث من العمر، يقول “كلما مررت أمام محل محمود أبو غانم لابد أن أتوقف لاستذكر ولو لبضع دقائق تاريخ العراق وتراثه العريق من خلال النظر إلى هذه التحفيات والانتيكات الرائعة والجميلة”.

ويتمنى علي في حديثه لـ”السومرية نيوز”، أن توضع هذه المقتنيات “في مكان أكبر لتكون أكثر ترتيبا من أجل أن نتمكن من التمتع بمشاهدة كل قطعة”، كما اتمنى أن توضع في متحف ويكون الدخول إليها ببدل نقدي يذهب إلى أبو غانم لتأمين مصدر رزق له”.

فيما يشير الباحث والإعلامي فاضل الحديدي في حديثه لـ”السومرية نيوز”، إلى أن مروره أمام محل أبو غانم يصييبه بـ”الحزن والأسى لكون المؤسسات المعنية بالثقافة لا تقدر ما تعنيه هذه المقتنيات من تاريخ وحضارة للبلد وتتركها هكذا دون اهتمام”.

ويتابع “للأسف نحن نختلف عن بقية بلدان العالم التي تعتز بموروثها وتاريخها فيما نحن نهمله على قارعة الطريق دون الالتفات إليه”.

أما الشاعر محمد القاسم فيقول في حديثه لـ”السومرية نيوز”، إن “الوقوف ولو لدقائق قليلة أمام هذه التحفيات والانتيكات يكفي لكي أنشط ذاكرتي بعراقة الحضارة والتاريخ الجميل للعراق وأعيد ترتيب كلمات قصائدي”.

الاقسام

اعلانات