السياحة بالعالم

مقام النبي شعيب موقع ديني وسياحي يؤمه الزوار طوال العام

153

في تلالِ وادٍ ذي زرع وفير، يقع مقام النبي شعيب عليه السلام الذي تحيط به الأشجار الحرجية وتحرسه ليلاً ونهاراً، في أجواء روحانية تلقي بظلالها عليه، وهو دوما محط إقبال جموع كبيرة من الزوار الذين يتبركون به ويقيمون فيه الصلاة والدعاء.
خلال التجوال في مقام “خطيب الأنبياء” كما أُطلق عليه، لفصاحة لسانه وبلاغته في الكلام، يستشعر الزائر القيمة المكانية والروحانية للمكان، فهو مكان هادئ جداً في منطقة قليلة السكان والزوار، إلا في فصلي الخريف والربيع، حيث يزداد إقبال الزوار على المكان في مواعيد الصلوات، وفي صلاة الجمعة وتراويح رمضان.
يقع مقام النبي شعيب في منطقة وادي شعيب، غرب مدينة السلط، في محافظة البلقاء. وقد سميت المنطقة بـ”وادي شعيب” نسبة لتواجد المقام في هذا المكان. وهو يُعد من المواقع الأثرية المهمة في المملكة، ومن ضمن أكثر الأضرحة استقطابا للزوار القادمين من مختلف الدول العربية والإسلامية، وخاصة دول شرق آسيا، كما يؤكد مؤذن المسجد والقائم فيه، صالح الحناوي.
يقول الحناوي الذي عمل في المقام منذ سنواتٍ مضت، إن المقام يحظى بزيارة عدد كبير من الحجاج والمعتمرين المارين والعابرين للمملكة، حيث تنظم الشركات السياحية رحلاتها “السياحة الدينية” إلى مقام النبي شعيب الذي يعد من أبرز الأماكن الدينية والسياحية التي يقبل عليها الزوار.
ويؤكد الحناوي أن زوارا من مختلف الدول الإسلامية يؤمون المكان بشكل دائم، ويحظون باستقبال وترحيب كبيرين من قِبل القائمين على المقام، حيث دأبت الجهات المسؤولة على توفير كل ما يلزم الزوار من مصليات ومتوضأ للجنسين، بالإضافة إلى مرافق إضافية.
وتحدث المؤذن الحناوي عن قصة هذا المقام الذي يستوقف المارين على طريق الأغوار، ووادي السلط، قائلاً “هذا المقام هو لسيدنا شعيب الذي أرسله الله لقوم مدين وأصحاب الأيكة، بعد أن كانوا يعيثون فساداً في الأرض”، وقد ذكرت قصته عليه السلام في أكثر من موضع من سور القرآن الكريم. ويُعتقد بأنه هو النبي الذي عمل لديه سيدنا موسى عليه السلام بعد خروجه من مصر، وتزوّج إحدى ابنتيه.
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى “وإلى مدين أخاهم شعيباً قالَ يا قَومِ اعبدوا الله مالكم من إلَهٍ غَيرُهُ”. وجاء في كتاب ابن كثير “قصص الأنبياء” أن الله سبحانه وتعالى أرسل النبي شعيب عليه السلام إلى قوم مدين “وكانوا ممن سكنوا في مدينةٍ بالقرب من معان”، وكانوا ممن آمنوا بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانوا يسيئون معاملة الناس ويبخسون المكيال ويعبدون شجرة “الأيكة”.
وكان الملك عبدالله الثاني قد افتتح المبنى الجديد لمقام هذا النبي في ليلة القدر، خلال رمضان 2003، حيث تم إنشاء المبنى تحت إشراف لجنة ملكية مختصة، بكلفة مليون ونصف المليون دينار، على مساحة 1500 م2.
ويُعد مقام النبي شُعيب أحد أشهر المقامات الكثيرة الموجودة في الأردن، وفي محافظة البلقاء على وجه التحديد، إذ تحتضن البلقاء مجموعة أخرى من المقامات، مثل مقام النبي يوشع، والنبي هود عليهما السلام، إضافة إلى عدد من مقامات الصحابة الكرام، وأشهرها مقام أبو عبيدة عامر بن الجراح.
تحتوي مرافق مبنى المقام الذي بُني على طراز معماري حديث، مستوحى من العمارة الإسلامية، على غرفة خاصة يوجد بداخلها قبر النبي شعيب عليه السلام. وقد تم تغطيته بغطاء مطرز بآيات من القرآن الكريم. ويُمكن للزوار من النساء أو الرجال الدخول للمقام والاطلاع عليه.
ويقول الحناوي إن الكثير من الناس يأتون هنا للزيارة والدعاء عند المقام، إذ إن لـ “مقامات الصحابة والأنبياء، بحسب اعتقاداتهم الدينية، أهميتها وكرامتها، وأن زيارتها محببة، وتقوي الإيمان”.
كما يستطيع الزوار الصلاة من خلال مصلى الرجال الذي يتسع لحوالي 500 مصلٍ، ومصلى آخر للسيدات يتسع لـ200 مصلية كذلك.
بالإضافة إلى المصليات يحتوي المقام على مرافق صحية مهيأة، وأماكن للوضوء في وسط الساحة الكبيرة في المقام، والتي تفصل أركان المبنى عن بعضها. كما تم توفير ساحات خارجية كافية لاصطفاف عدد كبير من سيارات الزوار.
وفي كل يوم جمعة تجتمع الستينية أم وائل مع عائلتها الكبيرة، من أجل الذهاب إلى المقام والاستمتاع بالأجواء الطبيعية والروحية القريبة من الموقع، كالاستمتاع بالجسر الخشبي الشهير في منطقة سيل وادي شعيب، وأداء الصلوات في المقام.
وتقول أم وائل، “في السابق كان الناس يحتكمون عند المقام، وكان يُطلب منهم حلف اليمين من أجل حل القضايا التي يعجز فيها قضاة العرب عن معرفة المذنب فيها من البريء، إلا أن هذه الظاهرة تقلصت بشكل واضح جداً، نظراً لتغيّر ثقافة الناس وتبدّد جهلهم”.
وتضيف أم وائل، “في القديم كان الأهل يتقرّبون لله من خلال ذبح الأغنام بجانب المقام، والقيام بزيارات دائمة و”أخذ البركة من المكان. “لكن أم وائل تعتقد أن هذه الأمور غير جائزة، وهي الآن تمتنع تماماً عن ذلك، لكن لا يمنعها هذا من زيارة المكان بين الحين والآخر والصلاة في أجواء المكان الهادئة، وخاصة أيام الجمعة.
وكذلك الحال لدى عائلة أحمد موسى من عمان، التي كثيرا ما تأتي لزيارة هذه المنطقة للاستمتاع بمناظرها الجميلة، وما تتمتع به من أجواء روحانية. ويتعمّد موسى الحضور إلى المكان في فترات متقطعة، برفقه أهله وأصدقائه، إلا أن زياراته تَكثر خلال فصلي الربيع والخريف بسبب اعتدال الأجواء في المنطقة.
ويقول موسى إنه يتعمد كذلك إلى اصطحاب أصدقائه من خارج الأردن، لزيارة هذه المواقع والاستمتاع بها، والصلاة في مقام النبي شعيب، أحد أنبياء الله إلى البشرية، على حد تعبيره.
ومن الجزائر كان أحد الأشخاص ترافقه زوجته، متواجدين في المقام، حيث ينويان القيام بجولة في مقامات الصحابة في الأردن، ومنها مقام نبي الله شعيب، إذ دخلا المقام وقاما بقراءة الفاتحة عنده، ثم صليا ركعتي تحية المسجد. كما تواجد في المكان أشخاص من باكستان وسيريلانكا، ومن بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى.
وقال الحناوي إن بعض الهيئات الدبلوماسية من عدة دول إسلامية عادةً ما تقوم بزيارة المكان، من باب التعرف على المواقع الدينية الأثرية في المملكة. لا شك أن مقام النبي شعيب بات يحظى برواج كبير في خارج المملكة، وذلك دليل على الترويج السياحي الديني الذي تحرص عليه الجهات المختصة والمعنية في المملكة.

الاقسام

اعلانات