المتاحف والمعارض

استمرار مسيرة متاحف قطر في رسم مستقبل قائم على الإبداع

imageimage

 

الدوحة – قنا
مع اقتراب رحيل عام 2014م ودخول العام الجديد الذي تستعد متاحف قطر للاحتفاء فيه بالذكرى السنوية العاشرة على تأسيسها، كان عام 2014 عاما واحدا من أبرز الأعوام في سجل إنجازاتها حيث استطاعت خلاله – أن نحرز تقدما كبيرا على مستوى ربط المؤسسات الثقافية والمواقع التاريخية في الدولة ونوفّير لها بيئة خصبة تساعد في نموها وازدهارها.
وتعتمد متاحف قطر في استراتيجيتها على الارتباط الوثيق برؤية قطر الوطنية 2030 حيث تظهر العلاقة بين مهام متاحف قطر الداعمة للثقافة والتراث وبين الركائز الأربعة لرؤية قطر الوطنية التي يشكل فيها عنصرا الثقافة والتراث محورًا مهمًا للغاية .. وتتفق رؤية قطر الوطنية ، مع رؤية متاحف قطر الاستشرافية ، بأهمية الفنون باعتبارها جسرا للتواصل بين الثقافات.
وتحقيقًا لرؤية متاحف قطر في المسيرة الممتدة من الالتزام بتعزيز آفاق الحوار الثقافيّ وإحراز المزيد من التقدم، يمثل دعم الفنون والإبداع والتراث محور استراتيجية المتاحف .. وتأتي الترجمة العملية لهذه الاستراتيجية ممثلة في أمور عدة منها إحياء التراث القديم مع استشراف للمستقبل، ورعاية للمواهب الناشئة، والخروج بأعمالنا الفنية والثقافية من نطاق المتاحف إلى الساحات العامة في جميع أنحاء الدولة كالمنتزهات والمطارات والمستشفيات، بل وحتى في الصحراء. وجميعها جهود تمنح دولة قطر نافذة تخاطب من خلالها العالم.
وقدمت متاحف قطر على مدار عام 2014 العديد من الأمثلة التي تثبت فيها قدرة الثقافة على بناء جسور من التواصل محليا وإقليميا وتأكيد دورها المحوري في التقريب بين الجميع .. وأقرب مثال على ذلك هو الاحتفاء بفعالية العام الثقافي “قطر-البرازيل 2014” تقديرا للروابط الثقافية التي تجمع بين البلدين.
وقد اشتملت هذه الفعالية على جميع الأنشطة التي تؤكد هذه العلاقة، ومنها تنظيم مسابقة دولية للطلاب في تصميم الأزياء، والتمثيل البرازيلي خلال مهرجان قطر الدولي للأغذية ، والعرض السينمائي البرازيلي لبرنامج الأفلام القصيرة البرازيلية، ومعارض الصور الفوتوغرافية، وتنظيم رحلة للبرازيل لإبراز العادات الثقافية القطرية.
كما نظّمت متاحف قطر معرض “هنا هناك” في إطار الاحتفالية ويستمر حتى مارس 2015، ويضم أعمالًا لفنانين من قطر والبرازيل، مسلّطًا الضوء على جوانب من الحياة البيئية والثقافية والاجتماعية في كلا البلدين من منظور مجموعة من أبرز المواهب الواعدة بهما، ومكملًا في الوقت نفسه لمسيرة ممتدة من التبادل الثقافي بين الدولتين.
ولعل من أهم انجازات هذا العام هو التأكيد على الحفاظ على التراث التاريخيّ .. فقد اولت المتاحف اهتماما كبيرا للحفاظ على تراثنا القطري بحمايته وتوثيقه حيث نال هذا التراث اعترافا دوليا بأهميته التاريخية والثقافية بعد أن أدْرَجت اللجنة الدولية التابعة لمنظمة اليونسكو مدينة الزبارة الأثرية إلى قائمة منظمة اليونسكو الدولية لمواقع التراث العالمي في عام 2013 كأول أول موقعٍ تراثي قطري ينضم لسجل عالمي، في إشارة إلى أهميته الثقافية والمكانية.
كما تم توطيد علاقتنا الوثيقة مع اليونسكو هذا العام باستضافة أعمال الدورة الثامنة والثلاثين من لجنة التراث العالمي بالدوحة في شهر يونيو ، فخلال هذا الملتقى الدولي الكبير ، أعلن معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية تبرع دولة قطر بعشرة ملايين دولار أمريكي لصالح صندوق جديد يهدف إلى حماية مواقع التراث العالمي .. وفي المؤتمر نفسه، شددت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجل أمناء متاحف قطر في كلمتها على المخاطر العديدة التي تتهدد التراث العالميّ اليوم وناشدت “جميع الدول في أسرة التراث العالميّ” بدعم مبادرة دولة قطر بـ”التبرع لهذا الصندوق الذي تم إنشاؤه مؤخرا .
وإلى جانب الارتقاء بالوعي حيال أهمية التراث على المستوى الدوليّ، واصلت متاحف قطر جهودها في إحياء تراثنا المحلي فقد حقق فريق المتاحف من المتخصّصين في التراث إنجازات كبيرة على صعيد استكشاف مواقع قطرية – كانت تمثل علامات مضيئة في أزمنة ماضية – والعمل على حمايتها وتعريف الجمهور بها اكتشاف 27 مكبسة للتمر (مدابس ) من بينها 11 مكبسة في مجمع واحد وذلك في مدينة الزبارة التي تعد الموقع القطري الوحيد على قائمة التراث العالمي.
الفنون والمواهب المحلية
كما اهتمت متاحف قطر خلال هذا العام برعاية الفنون والمواهب المحلية ، ولعل من أهم الانجازات في هذا الشأن استضافة أحد أبرز المعارض التي تحتفي بالمواهب القطرية حيث أقيم معرض للفنان القطري يوسف أحمد، تحت عنوان “يوسف أحمد: قصة إبداع”. ويسلّط المعرض الضوء على مجموعة من أفضل أعمال الفنان القطري التي أبدعها على مدار مسيرته المهنية الممتدة من سبعينات القرن الماضي حتى يومنا هذا.
وخطت المتاحف خطوات كبيرة هذا العام لرعاية النشء المحليّ ، ومن ذلك ما شرعت في تنفيذه بالفعل لتحويل مبنى الدفاع المدني السابق إلى مقر لبرنامج إقامة مخصص للفنانين في محاولة لجعله مركزًا لتبادل الإبداع الفني ، ويتمثل الهدف من افتتاح هذا المبنى الجديد في تقديم ساحات عرض فنية تدعم الفنانين المقيمين في دولة قطر وباقي دول العالم، حيث من المقرر أن يزوّدهم بعشرين استديو وساحة عرض تمكنهم من تبادل الأعمال الإبداعية مع زملائهم وتتيح لهم فرصةً لتطوير أساليبهم الفنية، وتكوين بذرة لإنشاء العديد من شبكات التواصل بين المبدعين ، وتنتهي المرحلة الأولى من أعمال التطوير في هذا المبنى الفريد الذي صممه المهندس المعماريّ القطريّ إبراهيم الجيدة نهاية هذا العام 2014م.
كما تفتتح المتاحف خلال احتفالات الدولة باليوم الوطني معرض “مال لوّل” ، ويبحر زائره في ماضي دولة قطر ويستشرف مستقبلها عبر الاحتفاء بمقتنياته الفنيّة لشخصيات وفنانين بارزين. فما بين كنوز قديمة وأخرى حديثة جمعها هواة جمع المقتنيات من أفراد المجتمع، وهذا المعرض يعد رمزًا للتراث المشترك بين أفراد الشعب القطري ودليلًا على شغفهم بالفنون. ولن يقتصر المعرض على المقتنيات القديمة فقط، بل سيضم أيضًا أعمالًا فنية جديدة وأصيلة لمجموعة من أبرز وأهم فناني قطر.
ومن الانجازات المهمة لمتاحف قطر لهذا العام هو الخروج بالفنون والأعمال المتحفية إلى شوارع الدوحة وأماكنها العامة وعرضها على نطاق واسع بشكل يحدث صدىً واسعًا ويمثّل عنصر جذب للجميع، وذلك في محاولة لتغيير المفهوم التقليديّ السائد عن المتاحف ، و انطلاقا من استراتيجيتها بأن الكنوز التي تملكها والمتنوعة بين الفن الإسلاميّ التقليديّ والأعمال التاريخية والحديثة والمنحوتات المذهله لا ينبغي لها أن تبقى حبيسة جدران المتاحف وساحات الفنون فقط، بل ينبغي الخروج بها، باعتبارها رمزًا للثقافة.
وفي هذا الصدد كان التعاون بين المتاحف و مطار حمد الدولي الجديد، الذي جرى افتتاحه هذا العام، حيث يمثل أحد أبرز النماذج المضيئة التي تؤكد مفهوم المتاحف للفن العام ، وعلى مدر الأعوام الخمسة الماضية، تعاونت متاحف قطر مع كوكبة من الفنانين المحليين والإقليميين والدوليين، حيث كلّفتهم بإنتاج أعمال فنية أصيلة واستعارة أعمال أخرى من أجل عرضها في أماكن بارزة داخل المطار وخارجه، لتقدم بذلك تجارب ثقافية متعددة في بيئة عامة تعجّ بالجماهير وتنبض بالحياة.
وتعد مشاركة الفنان العالميّ المرموق ريتشارد سيرا واحدة من اهم انجازات عام 2014 وهي مشاركة من أبرز فناني النحت الأمريكيين المعاصرين ، واشتملت إسهاماته التي قدمها على عدد من الأعمال الفنية منها قطعة بعنوان دعامة الواحد طن (بيت من ورق) وهي عبارة عن منحوتة رأسية من الصلب مستعارة من متحف الفن الحديث في نيويورك، إلى جانب منحوتة “ممر الزمن” التي ابتكرها خصيصًا لتناسب المساحة المخصصة لها بقاعة الرواق، وهي عبارة عن قطعتين عملاقتين من الصلب تتماوج بشكل قطريّ. وقد تزامن عرض هاتين المنحوتتين في توقيت واحد بمكانين مختلفين بمشاركة حشود غفيرة من الزائرين في كل من قاعة الرواق وجاليري متاحف قطر في الحيّ الثقافي “كتارا” بين شهري أبريل ويوليو.
أما ثاني قطعة فنية عامة كلُف الفنان بابتكارها فكانت منحوتة “شرق-غرب/ غرب-شرق” التي جرى الكشف عنها هذا العام، وهي أكبر منحوتة على الإطلاق يبدعها الفنان من حيث المساحة. وتوجد هذه المنحوتة على مقربةٍ من منطقة زكريت، ويعدّ هذا العمل الفني معلَمًا صحراويًا مدهشًا ومزارًا سياحيًا يقصده سكان الدوحة وزائريها من شتى دول العالم على حد سواء في رحلات عطلات الأسبوع.
هذا ومن جهة اخرى تستعد متاحف قطر حاليا لوضع الخطة الخاصة ببرنامجنا للعام القادم، الذي تحتفي فيه بالذكرى السنوية العاشرة على تأسيسها، ببرنامج وانجازات جديدة لا تقل تشويقًا عن برنامج المتاحف لهذا العام .

الاقسام

اعلانات