الاثار العالمية الاثار العربية المتاحف والمعارض

لبنان في قلب موسكو: معرض لتاتيانا بحر

image
نساء يغسلن الثياب في بعلبك، زيتية للرسام الروسي فاسيلي بالينوف 1882
image
بوستر معرض “الروس في لبنان” في موسكو
image
تاتيانا بحر وإيغور دومينين يضعان اللمسات الأخيرة على المعرض قبيل حفل الافتتاح

عماد الدين رائف

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-04-15 على الصفحة رقم 16 – الأخيرة
رحلة بحث تاريخي، تثمر معرضاً هو الأول من نوعه في قلب العاصمة الروسية.
يتخطى المعرض أعمال المواطنين الروس في بلادنا، إلى تلمس التمازج الثقافي والتعاون الحضاري بين روسيا القيصرية والسوفياتية والاتحادية الحديثة، من جهة، ولبنان العثماني، ثم المتصرفية والكبير، وصولاً إلى الجمهورية، من جهة أخرى.
تلك الرحلة تخوضها الباحثة الروسية اللبنانية تاتيانا كوفاشيفا بحر منذ تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم، حيث يُفتتح معرض «الروس في لبنان»، المكرّس للذكرى السبعين على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي ولبنان، وذلك في قاعة معارض «بيت المغترب الروسي» الذي يحمل اسم ألكسندر سولجنيتسن.
لدى الخروج من محطة تاغانسكايا، إحدى المحطات الأكثر عمقاً على الخط الدائري لمترو الأنفاق، نتجه إلى المبنى الثاني في شارع نيجنايا راديشيفسكايا، الذي يحتله «بيت المغترب الروسي» بهندسته الجميلة. هناك تضع تاتيانا اللمسات الأخيرة على المعروضات. تشرح: يروي المعرض عن تاريخ الوجود الروسي في لبنان، عبر الوثائق والخرائط، والصور، ومختلف المواد البصرية، من المحفوظات والمكتبات، ونسخ من المجموعات الخاصة في البلدين.
نجول في المعرض، تحدثنا تاتيانا عن حقبات التفاعل الثقافي، بدءاً من رحلات الحج إلى فلسطين وصولاً إلى القرن الرابع عشر، تتوقف عند أهم الحجاج الذين تركوا مذكرات لهم عن لبنان، من دانييل المهاجر وفارسونوفي الراهب، إلى فاسيلي غريغوريفيتش بارسكي، وأندريه مورافيوف، وبيوتر فيزيمسكي والكاتب الكبير نيقولاي غوغول. وتعرض لنتائج البعثة الأثرية الروسية بقيادة البروفيسور كونداكوف، وصولاً إلى حج الأمراء الروس في القرن التاسع عشر. ولعل ذورة التعاون تجلت في المدارس المسكوبية، التي أنشأتها «الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية» في فلسطين ولبنان وسوريا، وكان لبلدنا نصيب كبير منها.
يتحدث المعرض عن الرحلات البحرية التجارية ورحلات الحجاج الروس من المسيحيين والمسلمين إلى الديار المقدسة. ولا يغفل تطور العلاقات الديبلوماسية، متوقفاً عند القناصل خلال القرن التاسع عشر، وأعمال القنصل ألكسندر غاغارين الفنية. ثم يوثق لإعادة انطلاقة العلاقات في الحقبة السوفياتية مع جهود السفير فوق العادة نيقولاي نوفيكوف وجولته اللبنانية صيف العام 1944.
إلا أن للثقافة والفنون حظاً وفيراً من المعرض، فلبنان الذي كانت له محطات عزيزة لدى الرسام فاسيلي بالينوف، والشاعر إيفان بونين، يزداد الحضور الروسي فيه، بعد الثورة البلشفية، لتحط رحالها على شواطئنا جالية روسية، تقدرها بعض المصادر بثلاثة آلاف شخص مع عائلاتهم، فتخلق تجمعاً لها وتحافظ على بيئتها الأم وتقاليدها. ويتضح أن اللاجئين الأوائل وصلوا من الآستانة عبر البحر سنة 1921، ومعظمهم من ضباط جيش القيصر، وأعضاء الطبقة البرجوازية والمثقفين، الذين سرعان ما وجدوا أعمالاً لهم في المجالات الهندسية والتقنيات لدى إدارة الانتداب الفرنسي. وأسسوا «الجمعية التقنية الروسية» سنة 1929، التي أنشأت مكتبة عامة، بقيت كتبها محفوظة جزئياً. يُذكر أن ممثلي «بيت المغترب الروسي» زاروا لبنان في شباط الماضي، وجالوا على معمري الجالية الروسية، واطلعوا على المكتبة في «المركز الثقافي الروسي في بيروت»، وانتقوا منها ما هو نادر لمعالجته وحفظه، كما قدموا هدية من نتاجهم الكتبي إلى المركز.
أما الجالية الروسية فاستمرت في تقديم نتاجها الفني إلى وطنها الثاني لبنان، ولعل قلة من غير المحترفين يعرفون أن من كان يرسم العملات الورقية والمعدنية والطوابع البريدية والمالية وأوراق اليانصيب وسندات الخزينة وغيرها، هم من الفنانين الروس المهاجرين، وأغزرهم إنتاجاً كان بول كراليوف، الذي تنطبع أعمال ريشته وهو يرسم المواقع الأثرية على العملات في الأذهان. ثم يليه الرسَّامان فلاديمير بليس، ويفغيني بارادا.
المعرض الذي ينطلق بحفل افتتاحي مساء اليوم، يستمر حتى الثلاثين من نيسان الجاري، وهو برعاية السفارة الروسية في بيروت، و«الجمعية الثقافية الإمبراطورية الأرثوذكسية اللبنانية»، بالتعاون مع السفارة اللبنانية في موسكو. وتلفت تاتيانا إلى أن المعرض لم يكن ليكتب له النجاح لولا رعاية السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين، والجهد الكبير للملحق الثقافي والإعلامي في السفارة الباحث المؤرخ سرغي فرابيوف، الذي عمل معها على التحضيرات خطوة خطوة. ذلك بالإضافة إلى الترحيب والاحتضان الذي حظي به مشروع المعرض من نائب مدير «بيت المغترب الروسي» إيغور دومينين.

الاقسام

اعلانات