ساعات تمضي ومحمود (22 عاماً)، جالس في مرسمه المؤلف من كرسي خشبي وحامل ورقي وبعض علب الألوان، ومن حوله تتناثر عشرات اللوحات الفنية التي تباينت في مضامينها وأحجامها، ولكنها اجتمعت على كلمة واحدة، تشير إلى أنّ محمود حطم بريشته حدود الإعاقة السمعية والبصرية التي تلازمه منذ الصغر.
بزغ نور موهبة محمود، في منتصف العقد الأول من عمره، عندما كان يرسم مختلف المشاهد التي كان يراها على التلفاز، الأمر الذي لفت انتباه مدرسيه في مدرسة “أطفالنا” للصم، ووالدته “إلهام المقيد” التي تولت فيما بعد مسؤولية تنمية موهبة ابنها.
والدته إلهام روت لـ”العربي الجديد” سبب إعاقة ابنها البكر، فأوضحت أنّ محمود ولد وهو يعاني من إعاقة في النطق والسمع، يرجع سببها لمشاكل وراثية اتضحت لاحقاً، وفي السنة الثامنة من عمره أصيب بعينه اليسرى بشظايا ألعاب نارية، تلقى على إثرها العلاج المناسب وبدأ بالتحسّن تدريجياً.
وبعد بضع سنوات على الإصابة الأولى، أصيب محمود مجدداً في ذات العين اليسرى نتيجة لضربة غير مقصودة، ما أفقده النظر فيها بشكل كامل، وكذلك أصبح يعاني من ضعف النظر في عينه اليمنى، الأمر الذي أجبره على ترك مقاعد الدراسة وهو في المرحلة الإعدادية.
لم تنكسر ريشة المقيد أمام الواقع الجديد، بل كثّف من جهوده الذاتية لتطوير قدراته في الرسم، بخاصة فيما يعرف بالفن التجريدي، ليتمكن محمود خلال سنوات قليلة، من تحويل غرفته وكافة أركان منزله المسقوف بـ”ألواح الزينكو” إلى متحف فني، يضم أكثر من 50 لوحة.
ويتحدث محمود من خلال ريشته الصغيرة عن مختلف جوانب الحياة، فمن جمال الطبيعة التي عبر عنها بحصان يمرح في البساتين الخضراء، لفت الأنظار إلى معاناة الأسرى الفلسطينيين، من خلال صورة لشاب يرفع شارة النصر والعلم الفلسطيني، محطماً القيود التي تكبله، بالإضافة إلى لوحات تراثية ووطنية.
وتشرح أم محمود أنّ الناظر للوهلة الأولى للوحات ابنها، لا يصدق أن هذه أعمال شاب معوّق سمعياً وبصرياً، وتقول: “تجاوز محمود حدود إعاقته بشكل مميز، فهو على استعداد لأن يرسم أي فكرة يتخيلها أو تطلب منه، دون النظر إلى صعوبتها أو ما تحتاجه من وقت وجهد”.
شاركنا المقيد الحديث، عندما أشار بحركات يديه، التي ترجمتها والدته، إلى أنه حصل على المرتبة الثانية في مسابقة محلية على مستوى قطاع غزة والضفة الغربية، وفي عام 2010 نظم أول معرض فني له برعاية قناة القدس. وأوضح محمود أن أكبر العقبات التي تواجهه، هي عدم توفر مساحة كافية للرسم داخل المنزل الصغير، بجانب ندرة الأموال المخصصة لشراء مستلزمات الرسم، مبينا أنه يطمح إلى إنشاء معرض دائم خاص بأعماله.
ويحاول الفنان تسويق أعماله خارج القطاع من خلال صفحته على “الفيسبوك”، التي تحظى بتفاعل كبير، إلا أنّ جميع محاولاته لإقامة معارض خارجية تصطدم بإغلاق المعابر الحدودية للقطاع، مثلما حدث معه قبل عامين عندما بيعت إحدى لوحاته، ولكنه لم يتمكن من إخراجها بسبب الحصار الإسرائيلي. –