النصوص تتجمل بطاقة الحرف
مشهدية بصرية متجددة في معرض دبي للخط
دبي – محمد ولد محمد سالم:
يشهد معرض دبي الدولي للخط العربي في دورته الثامنة المقامة حالياً في مركز وافي مشاركة عدد من الخطاطين الإماراتيين الذين أثبتوا حضورهم في هذا الفن من خلال أنواع عديدة منه، وصلوا بها إلى إبداعات خطية متميزة، وقد شهدت العقود الأخيرة تطوراً كبيراً في مجال تعاطي الخط العربي في الإمارات، وفي مجال تأهيل الظروف المناسبة لقيام حركة خطية نشطة، كإنشاء مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، وتنظيم ملتقى الشارقة للخط العربي، ومهرجان الفنون الإسلامية، وملتقى دبي للخط العربي، ومركز دبي للخط العربي، ومسابقة رمضان للخط العربي .
كان للكثير من الأنشطة الخطية الأخرى الدور الأبرز في تشجيع المواهب الخطية على الإبحار في سماء الخط العربي والتضلع من فنونه، وساعدهم على ذلك المنح الدراسية التي تقدمها الهيئات الوطنية في السفر وحضور دورات خطية في تركيا لتعلم فنون الخط، والاطلاع على تراث الخطاطين المتميزين في تاريخ هذا الفن، هذه الأسباب عجلت بظهور حركة خطية إماراتية، واندفع كثير من الموهوبين في تعلم وممارسة الخط، وفي أقل من ثلاثة عقود أصبحت ساحة الخط الإماراتية تمتلئ بالعشرات من الممارسين الذين أظهر كثير منهم إمكانات إبداعية كبيرة .
في مشاركة الخطاطين الإماراتيين في المعرض تتجاور الأجيال فمن جيل الرواد نجد الخطاط خالد الجلاف والخطاط محمد عيسى خلفان، ومن الأجيال الجديدة نجد فاطمة عبد الرحيم ونرجس نور الدين ومريم البلوشي، وندى المازمي وهيا الكتبي وعلي الأميري .
تشكل مشاركة خالد الجلاف استمراراً لمسيرته الخطية التي استقرت على أسلوب خاص يجمع بين الإمكانات اللامتناهية للخط الكوفي وبين الطاقة التلوينية، ليخلق مشهدية بصرية، تكتسب في كل حين ثوباً جديداً لكن عناصرها الأساسية ثابتة، وقائمة على توازن بين الشكل واللون، وبدوره قدم محمد عيسى خلفان إبداعات بخط الثلث الذي تمرس به، وأخلص له، وظهرت فيه قدراته الكبيرة حيث صناعة الشكل المتقن من خلال الجملة القرآنية أو المأثور من الحديث والحكم، فينقل المعنى إلى جملة بصرية منسقة ومتوازنة .
في مشاركات الجيل الجديد في المعرض تبرز أعمال الفنانة فاطمة عبد الرحيم، خاصة في لوحاتها المرتكزة على الخط الكوفي الذي تمحورت حوله تجربتها الخطية، وفي إحدى لوحاتها المشاركة كتبت عبارة: (اختر ذكرياتك ولا تجعلها تختارك)، بالخط الكوفي المشجر، مقيمة تناظراً بين رؤوس الكاف والجيم والخاء رافعة إياها إلى الأعلى بحجم الألف واللام، لتصنع منها جملة مقسمة إلى سطرين متناغمين متوازيين، حتى يبدو الكل كتلة واحدة، بفراغات متساوية، ما يعطي إيقاعاً بصرياً مريحاً، يعززه لون النقاط الدائرية الحمراء المتلألئة فوق وتحت الأحرف المكتوبة بالحبر الأسود على ورق مقهر أملس .
أما مريم البلوشي فكتبت حديث (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) بخط الديواني الجلي على شكل بيضوي يرتفع منه حرف اللام منفرداً إلى الأعلى بانحناءة شبيهة بعنق النعامة، وفي الأسفل أنزلت تفريعة من حرف الألف على شكل رجل النعامة، فكأن الشكل بمثابة نعامة تجري، وعزز تلوين نصف النص العلوي باللون البني الفاتح ونصفه الأسفل باللون الأخضر الفاتح صورة النعامة حيث يكون لون الجناحين في الأعلى مختلفاً عن لون بقية الجسم في الأسفل، وهذا التصور الشكلي أعطى للجملة الخطية أناقة وحركية مع تماسك كتلتها، ما يمكن أن يعزز الدلالة الروحية للنص .
الخطاطة نرجس نور الدين التي درست فنون الخط جيداً وتمرست بفني الديواني الجلي والنسخ تعليق، تبرز مشاركتها في المعرض من خلال لوحات من الديواني الجلي، وفي إحداها كتبت الآية الكريمة: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)، وجاءت على شكل شريط مستطيل مقلم الرأسين، واستفادت من الإمكانات التركيبية لهذا الخط، وخاصية الميل التي تميزه، فكتبت الكلمات بشكل مائل يسند بعضها بعضاً، وملأت الفراغات بالتشكيل الزخرفي الذي يختص به الديواني الجلي، فجاءت لوحتها منسقة مترابطة كأنما الكلمات يولد بعضها بعضاً ما يوحي بالامتداد اللانهائي، الذي يعززه الشكل المقوس لرأسي المستطيل، الذي يوحي بإمكانية التواصل، بعكس ما لو كان طرفا المستطيل مستقيمين، فإن ذلك يوحي بالحدود والنهاية .
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/0adeabf4-0c6e-44c1-82bc-8539afb40f9a#sthash.tfOLksut.dpuf