مقالات

“فوه المصرية” مدينة المساجد التاريخية

659

فوة إحدى أشهر مدن العالم الإسلامي في العصور الوسطى، كثيرون لا يعرفونها اليوم، لذا فإعادة اكتشافها، بمنزلة إحياء مدينة كانت طوال العصر المملوكي المحطة الرئيسية للتجارة بين الشرق والغرب، في شمال دلتا النيل بمصر عندما يأخذ فرع رشيد اتجاها غربيًا منذ دخوله أراضي محافظة كفر الشيخ، يصنع – على بعد 35 كيلو مترا – ثنية كبيرة تقع مدينة فوة في بدايتها، وهي ممتدة على ساحل النيل نحو 4 كيلو مترات، هكذا وصفها الجغرافي الشهير الإدريسي وابن بطوطة اللذان أكدا على وجود جزيرة قبالة شاطىء فوة مازالت موجودة إلى اليوم.

فوة من أقدم مدن دلتا النيل، حيث كانت عاصمة الإقليم السابع بمصر الفرعونية، الذي كان يطلق عليه إمنتي، أو «نفر إمنتي» التي تعني الإقليم الغربي الأول، أما فوة فكانت تدعى «برجانب إمنتي» أبي بيت الإله سيد الغرب، سماها الإغريق مينتليس أي بلد الأجانب، أما إميلينو الجغرافي الشهيد فذكر في قاموسه أن اسمها بوة ثم قلبت فاء، كما حدث في مدينة الفيوم.

في العصر المملوكي حفر خليج من الناحية الأخرى لشاطئها لتدخل به سفن البضائع القادمة من البحر المتوسط عبر الإسكندرية، لتستقر في فوة ، حيث كان وقوعها داخل البلاد أكثر أمنًا من الإسكندرية ورشيد، لذا صارت مركزًا تجاريًا مهماً، وترسخت به العديد من الحرف التقليدية، كصناعة السكر والنسيج والنحاس وغيرها، ومازال العديد من مساجدها دالة على هذا الازدهار، ومعظمها يعود للعصر المملوكي وجدد في العصر العثماني وعصر أسرة محمد علي.

عرف عن أهل فوة حبهم للمساجد وجميع أوجه أعمال البر، لذلك أوقفوا الكثير من الأراضي والعقارات على مساجد فوة ، وتزخر وثائق محكمة فوة الشرعية بالكثير من هذه الوقفيات، التي تدل على تأصل نزعة الخير وحب المساجد وتعميرها لدى المجتمع الفوي، فقد اشترط أحد الأهالي أن يخرج من أملاكه للصرف على هذه المساجد.

إن أروع مشهد يمكن أن تشاهده في هذه المدينة، إذا ركبت مركبًا صغيرًا في النيل، وسارت بك محاذية للشاطىء رأيت من كل زاوية المآذن البيضاء التي يرتفع بعضها في عنان السماء، بل تذكر الوثائق أن بين مئذنة مسجد ومسجد مسجد ومابين كل زاوية وزاوية زاوية، حتى يكاد الذهول يصيب المرء من كثرتها، لكن كلا منها تنبض به الحياة، بل وإن كل واحد منها يفترق عن الآخر في التفاصيل، فتكاد تحس بذاتية كل منشأة، وقد تميزت عن غيرها، غير أن روحها جميعًا واحدة.

تضم مدينة فوه في محافظة كفر الشيخ ما يقرب من 365 مسجدا اثريا وقبة ومزارا وبذلك تعد المدينة الثالثة في كم الاثار الاسلامية من بعد القاهرة ورشيد، وكما اطلق علي القاهرة مدينة الالف مئذنة يطلق البعض علي فوه “مدينة المآذن” أو “مدينة المساجد”.

واهم ما يميز مساجد فوه المراسيم الرخامية في مساجدها، وعددها سبع، ثلاث منها في مسجد “نصر الله” واثنتان في مسجد “القنائي” واثنان في مسجد “أبوالنجاة” وهي نصوص سلطانية تتناول العديد من الموضوعات كإلغاء الضريبة أو إبطال عادة اجتماعية معينة أو رفع ظلم من المظالم.

وارتبط عدد من مساجد فوه بأسماء المتصوفين مثل مسجد “داعي الدار” الذي انشأه الحاج شحاته محمد الطايفة سنة 1281هـ ـ 1864م، ودفن به احمد داعي الدار أحد المتصوفة الذين شبوا علي الطريقة الخلوتية بفوه، ويعرف في بعض الوثائق بجامع دعيدر.

بينما ينسب مسجد “القنائي” للشيخ عبدالرحيم القنائي أحد مشاهير الصوفية المصرية، حيث انه أقيم في مكان الخلوة التي أقام فيها في العصر المملوكي أثناء زيارته للعالم سالم أبوالنجا في فوه، ويعد هذا المسجد من المساجد المعلقة وبه أروع منابر مساجد فوه علي الإطلاق.

اما مسجد أبوالمكارم فأسسه الشيخ محمد ظهير الدين أبوالمكارم بن السيد أحمد أبوالمكارم الذي كان شيخا للأزهر عام 970هـ وتوفي في مدينة فوه سنة 980هـ، بينما انشئ المسجد الحالي عام 1267هـ 1850 في العصر العثماني، وحضر أبوالمكارم الي فوه بعد استقالته من الازهر وفتح مشيخة الطريقة الصوفية، ويقام له مولد سنوي حول المسجد وعلي طول كورنيش النيل القريب منه.

والمسجد مكون من خمسة أروقة ويتقدم محرابه شخشيخة ويتوسط مجاز القبلة شخشيخة والمحراب معقود بعقد منكسر، وعلي يمين المحراب الرئيسي محربان صغيران والمقصورة التي تتوسط المسجد والمدفون بها الشيخ أبوالمكارم، فهي من الخشب الخرط المختلفة الأنواع وعلي المقصورة زخارف نباتية أما المئذنة فتقع علي طابق قصير مثمن من أعلي السطح وعلي يمين واجهة المسجد بقايا غرف لإقامة الصوفية أثناء زيارتهم للمسجد.

الاقسام

اعلانات