الاثار العربية

تراث مدينة طرابلس وآثارها الدينية تئن تحت وطأة الإهمال

201307241024697

لا تزال الأبنية الأثرية والتراثية ذات الطابع الديني في مدينة طرابلس ترزح تحت نير الاهمال والذي أودى بالغالبية الساحقة من معالمها بحيث بات من الصعوبة بمكان التعرّف عليها من قبل المارة من أبناء المدينة فكيف بالزائر والسائح؟
ومنذ زمن طويل والبعض من المؤرّخين ينادون بضرورة حماية هذه المراكز الأثرية والتي كان لها الدور البارز في اطلاق لقب مدينة العلم والعلماء على مدينة طرابلس نظراً لما تتضمنه من مساجد ومدارس وتكيات داخل منطقتها القديمة والتي بدلاً من أن تشهد أعمال تأهيل وترميم متواصلة من قبل المعنيين، نجدها تنهار الواحدة تلو الأخرى على مرأى ومسمع هؤلاء المعنيين تحت حجة عدم توفر التمويل اللازم لذلك، بيد ان السؤال المطروح يبقى ضمن الامكانات المتاحة كتنظيف تلك المراكز بغية التعرّف، أقله «اليافطة العائدة لها»، حتى ان العديد من أبناء المدينة يتساءلون عن سبب اقفالها الدائم والمستمر ولما لا يكون هناك حملة لتنظيمها قدر الامكان قبل حلول شهر رمضان المبارك بشكل يتيح للمارة في الأسواق الدخول بهدف التعرّف إليها؟!
الواقع بأن المراكز الأثرية والتراثية في مدينة طرابلس سيبقى شأنها كشأن أي قطاع مهمل من اقتصادي الى تجاري فسياحي ومتى تمت المطالبة بإعادة احياء المعالم الأثرية لهذه المدينة بهدف تنشيط حركتها السياحية تطالعنا الأصوات المتشائمة «طرابلس تنهار وما من معيل لها لا من الداخل ولا من الخارج»، هي تنهار بكل ثرواتها ولن تكون الآثار بأفضل حال؟!!
الدكتور سباط
* رئيس دائرة أوقاف طرابلس الدكتور حسام سباط قال: الحقيقة بأن مسؤوليتي تقتصر فقط على العقارات الأثرية التي تملكها الدائرة كالمساجد، من هنا حرصنا الشديد على أن تكون في أحسن صورتها، مهيّأة لاستقبال المصلين وحتى السياح بدليل اننا حرصنا وقبل حلول شهر رمضان المبارك على أن نهيء الجامع المنصوري الكبير ليغدو بأبهى صوره خلال الشهر الكريم، بحيث قمنا بتجديد الإضاءة فيه فضلاً عن صيانة كل مرافقه وكذلك الأمر بالنسبة للمساجد الأخرى فقد حرصنا على إعادة تنظيمها وترتيبها، وقد قمنا بإعادة ترميم وافتتاح لعدة جوامع منها النور الشكر وخديجة وجامع آخر في منطقة الضنية، فضلاً عن إضافات وتحسينات لجامع عمر بن الخطاب في الميناء مما يعني بأننا نحرص على أن تكون مساجدنا بأبهى حلاها في مدينة طرابلس أما فيما خص المرافق والتي تصنف أثرية وليست مساجد كقلعة بربر آغا الموجودة ضمن صلاحيات الأوقاف فقد قمنا بالاتفاق مع كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية بدراسة مفصّلة لها ونحن بصدد إيجاد التمويل لإعادة ترميمها، إضافة الى دراسة ألمانية أخرى تهدف الى تحويل القلعة الى مشروع سياحي كبير ومهم، والى جانب القلعة هناك بعض الحمامات والمدارس التابعة لنا وبالطبع كلها تحتاج للموارد المالية بغية ترميمها.
وتابع الدكتور سباط: الواقع بأننا ومنذ فترة طويلة قمنا بطرح كل الأفكار التي تهدف الى إعادة ترميم وتأهيل المراكز الأثرية على بلدية طرابلس وعلى المديرية العامة للآثار ومجلس الانماء والاعمار وحتى المحافظة واللجنة الفرنسية اللبنانية لترميم الآثار بيد اننا دائماً ما كنا نصطدم بواقع عدم وجود السيولة المالية لترميم هذه الآثار.
وختم الدكتور سباط قائلاً: طبعاً نحن بأمسّ الحاجة الى إعادة ترميم شاملة للتراث الديني في مدينة طرابلس تماماً كما حصل في مدينة فاس بالمغرب والذي قامت به منظمة الأونيسكو.
الدكتور تدمري
* عضو مجلس بلدية طرابلس رئيس لجنة الآثار والتراث الدكتور خالد تدمري قال: عرفت مدينة طرابلس عبر التاريخ بأنها مدينة العلم والعلماء، وهذه التسمية أعطيت لها بسبب كثرة دور العبادة ومدارس العلم التي كانت منتشرة في أرجائها، ولفترة قريبة كان معظم هذه الأبنية من مدارس ومساجد وتكايا وزوايا لا يزال قائماً وموجوداً في المدينة القديمة، وتجدر الإشارة الى انه كان لمدينة طرابلس 360 مدرسة ومسجدا وتكية وزاوية مما جعلها تستحق لقب «مدينة العلم والعلماء» وهذا رقم يساوي عدد الأيام في السنة الهجرية ولكن أين هي اليوم؟؟ الحقيقة انه لم يتبق منها سوى ما يزيد عن مئة مركز موزع في أرجاء المدينة، حتى ان أبناء طرابلس أنفسهم لا يعلمون عنها سوى القليل كالمساجد التي تفتح أبوابها وقت الصلاة، أما باقي المدارس فمع الأسف البعض منها مغلق والبعض الآخر مستخدم كمصلى ومنها ما حوّلته دائرة الأوقاف عبر 50 عاماً الى دكاكين للايجار وهذا ما يؤسف له، ويأتي في طليعتها المدارس  التي تعود الى عهد المماليك ويتجاوز عمرها السبعمائة عام وتنتشر بشكل كبير في محيط الجامع المنصوري الكبير والذي شكّل صرحاً علمياً ضخماً كمجمع جامعي حيث تنتشر من حوله وفي محيط لا يتجاوز قطره الخمسين متراً، ما يزيد عن 50 مدرسة تدرّس مختلف أنواع العلوم وليس فقط الدينية ولا يزال حتى اليوم يلاصق الجامع المنصوري الكبير من أطرافه الثلاثة المدرسة الشمسية والمشهد والمدرسة القرضاوية ويقابل بوابته الرئيسة المدرسة الناصرية والخيرية والنورية وعلى قرابة منه تقع المدرسة السقرقية والخاتونية والطواشية وغيرها الكثير من المدارس والتي كما ذكرت يتجاوز عددها الـ 50 مدرسة.
وتابع الدكتور تدمري هذه المدارس اليوم مغلقة وغير مستثمرة، أضف الى أن المساجد الرائعة التي تحتويها طرابلس كالجامع المنصوري الكبير الذي يعد من أكبر مساجد لبنان مساحة ،وجامع طينال الأجمل على الاطلاق بين كل جوامع لبنان، والمدرسة البرطاسية والتي تعد واحدة من التحف المعمارية النادرة في العالم الإسلامي، كل هذه المساجد متروكة من دون أي تسويق سياحي لائق بها أقله على صعيد الحراسة أم من يقوم بواجب المحافظة على المسجد مما يثير الكثير من علامات الاستفهام ولا سيما ان لكل مسجد خادم يعيّن بشكل مباشر من دائرة الأوقاف الاسلامية، كما تخلو هذه المساجد من أية كتيبات تعريفية وان من ورقة واحدة، وقد سبق وأعد مؤرّخ طرابلس الدكتور عمر تدمري مجموعة من هذه الكتيبات لدائرة الأوقاف منذ ما يزيد عن عشرة أعوام بيد انها لم تجد طريقها الى الطباعة وبقيت في أدراج دائرة الأوقاف. إضافة الى عدم وجود الخدمة اللائقة لتأمين الزي والحجاب للزائرات والذين يقصدن هذا الجامع باستثناء المبادرة الفردية الموجودة في جامع طينال من قبل القيّمين على المسجد. إذاً نحن حينما نتحدث عن مدينة طرابلس الفريدة من نوعها كمدينة إسلامية ذات طراز عمراني مميّز وانها المدينة المملوكية الثانية بعد القاهرة، والوحيدة في لبنان على هذا الطراز الشرقي، وحينما يتم اختيار مدينة طرابلس هذا العام كعاصمة للثقافة الإسلامية ثم يتم تأجيل الحدث الى عام آخر، فعندما تحتل مدينة طرابلس هذه المكانة يجب أن تكون مواقعها مؤهلة فعلاً لاستقبال السياح والمحبين للتراث الإسلامي.
وأكد الدكتور تدمري على اننا بحاجة الى خطة شاملة تساهم فيها بالدرجة الأولى الأوقاف الإسلامية المعنية بشكل مباشر والتي تملك هذه الأبنية بالتعاون مع بلدية طرابلس والتي من الممكن أن تخصص الأموال باتجاه هذه المشاريع والتي من شأنها النهوض بالمدينة التي لم يبق لها اليوم سوى ثروتها الأثرية بعد أن فقدت كل مقوماتها الزراعية والتجارية والاقتصادية والصناعية، وطبعاً لن نقول هناك مسؤولية على وزارتي السياحة والثقافة لأننا بتنا نفقد الأمل من إمكانية دعمهما لأي مشروع في مدينة طرابلس وكما نرى أن عملهما محصوراً فقط في بعض المناطق اللبنانية ليس الا ان العملية تقع في الدرجة الأولى على دائرة الأوقاف والتي ان كانت تعرف أن تستغل أوقافها والتي تركها المسلمون لكانت واحدة من أغنى الدوائر الحكومية في لبنان وعلى بلدية طرابلس وربما أيضاً على المجتمع المدني وبخاصة الهيئات الإسلامية الثقافية التي تعنى بهذا الشأن في مدينة طرابلس وتتغنى بتاريخها.
ورداً على سؤال حول إمكانية التعاون بين دائرة الأوقاف والبلدية قال: حتى الآن لم يطرح هذا التعاون وأعتقد اننا في المرحلة الأولى نحتاج الى شرطة سياحية تقوم هي بتأمين الدخول والخروج الى المساجد الكبرى التي يقصدها بالدرجة الأولى الزوار والسياح وان يتم تأمين الكتيبات والألبسة الشرعية وكلها أعمال لا تتطلب كلفة مالية باهظة وإنما إرادة بتحقيقها. أما على صعيد استثمار المدارس وإعادة احيائها وتنفيذ نشاطات ثقافية وتعليمية ومهنية فيها فهذا الأمر مربوط تماماً بدائرة الأوقاف كونها المسؤولة الوحيدة عن تلك الأبنية ولها السلطة المباشرة عليها.
روعة الرفاعي

الاقسام

اعلانات