الاثار العربية

اثريون عراقيون يطلقون حملة للحفاظ على هوية بغداد

images

أطلق أكاديميون وآثاريون وناشطون مدنيون عراقيون حملة كبرى لأجل الحفاظ على هوية بغداد الحضارية، وانتشالها من التدهور والإهمال والخراب الذي أصابها لغياب الرعاية الحكومية لها، وطالبوا السلطات التشريعية والتنفيذية المحلية في البلاد ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بحماية هوية بغداد من كل —–أشكال التخريب الذي يطالها وتطبيق عقوبات صارمة للحد من الظاهرة.

منظمو الحملة أعلنوا عن تنظيم مؤتمر صحافي موسع لمناقشة خطة الحملة وآليات عملها وبرامجها، واستمرار جمع التواقيع المؤيدة لها والتي وصل عددها خلال الأيام الأولى إلى ألف وخمسمائة توقيع، أسهمت فيها شخصيات ثقافية وأكاديمية وآثارية وإعلامية.

تقول المهندسة والناشطة المدنية شروق العبايجي، أحد مؤسسي الحملة، في حديث لـ«لشرق الأوسط»: «تتعرض بغداد منذ عقود إلى عملية تشويه لهويتها الحضارية، وتخريب وتدمير لمبانيها وملامحها التراثية والتاريخية مقابل انتهاكات وإهمال كل السلطات، وصلت ذروتها إبان السلطة البعثية البائدة عندما اجتثت أحياء بكاملها كانت تشكل طابعها الحضري البغدادي، وتمت استباحة ضفتي نهرها الخالد وحجزه إلى السلطة الحاكمة، وهو ما لا يزال متواصلا حتى الآن». وأضافت «نلاحظ غيابا واضحا لأي رؤية أو فلسفة عمرانية ومعمارية لبغداد، وكل ما يجري من عمليات صيانة يتم بطريقة ارتجالية أسهمت في تشويه معالم هذه المدينة المنكوبة المنكسرة بدلا من إعمارها.

وتشهد مناطق عدة من بغداد عمليات منظمة لتقويض بيوتها ومعالمها التراثية المميزة والضاربة في القدم وعمليات تجريف أشجارها المعمرة، وتغيير ملامحها وخريطتها لصالح منشآت استهلاكية وعمارات مغشاة بمادة «الأكوبوند» التي تتناقض مع فطرتها البيئية وتقاليدها البصرية، مما أدى إلى تراكم التلوث البصري فيها، إضافة إلى استمرار التجاوز الفظ على المساحات الخضراء، وخرق التصميم الأساسي للمدينة، واستخدام أساليب بناء فوضوية، مما أدى إلى تردي الذوق العام وشيوع الذوق الريفي والقروي الزاحف إلى المدينة، مع تواصل حملة منظمة لاجتثاث النصب والتماثيل التي رسمت ملامح بغداد تحت أعذار شتى وهي تهدف إلى محو الذاكرة العراقية.

ومن جانبه، قال د.علي ثويني، معماري وباحث أكاديمي وأحد مؤسسي الحملة التي حملت اسم «إنها بغداد»: «الحملة ركزت على أهمية تشريع قانون من أجل حماية الإرث العمراني والحضاري لمدينة بغداد، وذلك من خلال تشكيل هيئة عليا محلفة ومؤتمنة تضم أهم المعماريين والتراثيين والمؤرخين والمختصين الأكاديميين، من ذوي السمعة والخبرة للعمل على وضع رؤية وفلسفة عمرانية ومعمارية متطورة، ووضع دراسات جدية شاملة، مع إيجاد آليات فاعلة للتنفيذ الصحيح تهدف إلى إعادة بغداد إلى ألقها ومكانتها الرفيعة، لتستعيد الأذهان الصورة المتخيلة التي يعرفها العالم عنها.

وشددت الحملة في بيان نشر عنها على أهمية تفعيل القوانين العراقية بشكل طارئ وسريع، خصوصا تلك التي تمنع إزالة أو إضافة أو ترميم عشوائيا يتداعى إلى تشويه الأبنية التراثية. وتحريم قطع الأشجار والنخيل، ومنع تمليك الأراضي على طول ضفتي نهر دجلة، حيث إنها من محرمات النهر التي يجب أن تبقى ملكا خاصا ببغداد وحدها وليس لأشخاص مهما كان منصبهم. وقارن بيان الحملة أحوال بغداد ببعض العواصم المجاورة والتي لم يتعد عمر أكثرها عقودا من الزمن، لكنها صارت تتفوق عمرانا وجمالا وتنظيما وتصميما على بغداد العريقة بقرون.

أما الروائي والباحث العراقي أحمد خلف فقال «هناك فوضى بصرية اجتاحت بغداد منذ سنوات مما أفقدها شخصيتها وهويتها، وصارت متشابهة مع أغلب المدن العراقية. كما حصل هناك نزوح غير مسيطر عليه من القرى إلى المدينة، سمح بسيادة ذوقه، رافقه ظهور فئة ليس فقط غير مؤهلة لقيادة البلد أو ثقافته، وغير قادرة على الحفاظ على حضارة ومدنية بغداد العاصمة التي كانت قبلة للعالم اجمع». وكانت منظمة ميرسر قد صنفت في تقريرها لعام 2011 العاصمة العراقية بغداد من أسوأ مدن العالم في مستوى المعيشة، في الوقت الذي تصدرت فيه العاصمة النمساوية فيينا قائمة «ميرسر» باعتبارها أفضل مدن العالم للمعيشة.

الصحافي والناشط المدني شمخي جبر، قال : «بغداد هي تاريخ وحضارة وتنوع حضاري ومحط أنظار العالم، والباحثين ولكن أن تصل بغداد إلى هذا المستوى من الإهمال فهذا ما يحزننا، هناك آثار مهمة في بغداد تهدم وتخرب، وشوارع مهمة وتراثية منها تهمل، ومراكز ثقافية مهملة، الأمر الذي ينذر بشيوع ثقافة انحطاط، وضياع ثقافة التنوع التي عاش العراقيون تحت كنفها.

وركز الباحث والآثاري مصطفى النعماني على قضية استهداف أهم صرح تراثي في بغداد، ألا وهو المدرسة المستنصرية، التي تأسست في زمن العباسيين عام 1233هـ، على يد الخليفة المستنصر بالله، لكنها غدت مجرد مبان خربة مهملة، مع وجود حفريات مستمرة داخل المدرسة وخارجها تسببت في اهتزاز مبانيها وخلخلة أسسها بسبب القدم وافتقارها إلى جذور تسليحية تحميها من السقوط. وطالب النعماني بأهمية تدخل منظمات دولية من بينها منظمة الثقافة والعلوم والتربية العالمية (اليونيسكو) لأجل الحد من تدمير وإزالة لشواخص الحضارة العربية الإسلامية وإنجازاتها الباهرة التي تدل وبشكل خاص على عظمة وأمجاد الدولة العباسية.

أما الدكتور والمهندس المعماري رؤوف الأنصاري فقد فسر أهمية التراث في حياة الشعوب بالقول «يحتل التراث أهمية حيوية في كل البلدان فهو يمثل ثقافاتها وحضاراتها، كما أنه يساعد في ربط سكانها بعضهم مع البعض الآخر، كما أن المعالم التراثية والمواقع التأريخية والأثرية والدينية تمثل أحد العوامل المهمة في تأسيس قاعدة اقتصادية لبلدٍ كالعراق سيما في المجال السياحي. لهذه الأسباب فإن حماية التراث الحضاري تصبح ضرورة قصوى في العراق الغني بمعالمه التأريخية وتراثه الثقافي الأصيل».

وأكد أن «بعض البلدان النامية تواجه مشكلة في نظرتها للتراث – عندما تضعه بدرجة أدنى من سُلّم أولوياتها – وهذا ما يحدث في العراق حيث لا يُعار له سوى أهمية ثانوية، لأن الجهود كافة موجهة نحو معالجة الوضع الأمني والخدمات المختلفة، والتي لم يتحقق منها شيء يذكر بسبب الفساد والتخلف الفكري والفني والنظرة الضيقة وغياب الحلول والمعالجات الصحيحة.

الاقسام

اعلانات