مقالات

روائع الفن الإسلامي في مصر ..المشكوات ..نور على نور

7201327133246

المشكاوات أبرز منتجات الزجاج برع فيها الفنان المسلم

المشكاوات كانت وسيلة الإنارة الداخلية في المنازل والمساجد

صنعت من عدة ألون وزينتها الزخارف النباتية والكتابات العربية

تفاصيل زخارفها المنمنمة في انسجام، جلال الآيات القرآنية على أرضية نباتية نقشت وريقاتها على زجاج شفاف أبيض، أو وردى، أو أخضر، أو أحمر، يعكس نوراً خافتاً متسللاً، كأنما لا يريد إزعاج من في المكان .. نور على نور يشع من هذه المشكوات، فيصوغ جمالاً ويضفى اللمسة الخيرة على عمارة المكان، فهي لم تكن في قاموس مفردات العمارة الإسلامية، لكنها أداة وظيفتها العمارة فقط، فهي عنصر زخرفي يتماشى مع الطراز وينسجم معه.

إبداع فنان

تتكامل وتتناغم المشكوات، مع وحدات المشربية وزخارف الكتابات العربية، وتفاصيل الأبواب الخشبية، وتيجان الأعمدة، و قواعدها، وحليات الجدران من الخشب، أو الخزف، ودقة صنعة أشغال النحاس، في الأسوار، والشبابيك فالفنان المسلم كان حريصا على التفاصيل، سواء إظهار صنبور الإبريق، ومطرقة الباب، وشباك القلة، وقاعدة الإناء، وحرص على الكليات كي تكتمل الصورة جمالاً، و إبداعاً، ورقياً، و فناً، ليزداد الناظر إليها إعجاباً، وشغفاً، وولهاً، فكل فن في عمارة بينه توازن بين الجمال، والمنفعة، والإبداع، والوظيفة، والصنعة، والذوق، لذلك لا يمكنك أن تتذوق الفن الإسلامي، إلا في  إطار الحضارة التي أرست الصنعة والفن، والذوق، والزخرف .

قواعد متناغمة

القاعدة في العمارة الإسلامية، كانت العناية بالعناصر الأساسية للطراز، يأتي بعدها دور الزخرفة، والحليات الهندسية، أو خطوط كوفية، والعناصر الأساسية في كل طراز، تمثلها العقود بمختلف أنوعها، والأعمدة بتيجانها، وقواعدها، و القباب، والمآذن، والمقرنصات، والمكاسل، وأشغال النحاس، والأبواب، والمعلقات، ومنها المشكاوات، والثريات، أو التنانير –النجف- التي كانت تصنع من النحاس المؤكسد، وتُعلّق من خلال بكرات حديدية لثقلها، وراجت كإحدى الصناعات المعدنية في عهد المماليك، وأشهرها تنورة مدرسة السلطان حسن، وجامع السلطان قايتباي، وهناك القدور، وهى كرة زجاجية مفرغة لها عنق مفتوح من أعلى، وفي وسط محيطها ثلاث حلقات زجاجية مثبتة بالقدر، لتعلق منها بسلاسل، وبينما كانت الفوانيس العربية وسيلة رئيسية للإضاءة لمباني العمارة الإسلامية من الخارج، خاصة المساجد، والقصور، كانت القناديل، أو المشكاوات، تلعب دور البطولة في إنارة المكان من الداخل .

تركيب فريد

المشكاة في اللغة هي كوة غير نافذة، وفى المكان هي ذلك الغلاف الزجاجي المخروطي الذي وضع فيه المصباح القنديل، الذي يضاء بالزيت لحفظ ناره من هبات الهواء، وتحويلها إلى ضوء ينتشر بهدوء في أرجاء المكان، وكان المصباح يُثبت داخل المشكاة بأسلاك تربط حافاتاها، وكانت المشكاة ذاتها تعلق بسلاسل من النحاس، أو الفضة، تشبك بمقابض تلتف حول بدن المشكاة، وعند كرة مستديرة أو بيضاوية، تتجمع تلك السلاسل لتتصل بسلسلة أخرى، تربطها بالسقف ارتباطاً تراها كإناء الزهور، بدنها المنتفخ ينساب إلى أسفل وينتهي بقاعدة ولها قبة على هيئة قمع .

بداية مملوكية

يبلغ عدد المشكاوات فى متحف الفن الإسلامي، نحو ثلاثمائة مشكاة، جميعها ينتمي إلى العصر المملوكي، فصناعتها بلغت أوجّها في القرن الثامن الهجري، الـ 14 ميلادي، بل إنها درة صناعة الزجاج في ذلك العصر، الذي عُرف ببراعة الصانع المسلم في إنتاج القنينات، والكؤوس، والقوارير، والدوارق، والأباريق، والأكواب، وكان هذا مفهوماً بديهياً في العصر المملوكي، الذي أصبحت في كنفه القاهرة مركزاً للخلافة على يد الظاهر بيبرس، بعد أن انتقل مركز الخلافة الإسلامية من بغداد إلى القاهرة، ووجدت صناعة الزجاج في مصر، تربة خصبة في بلد كانت ذات باع بعيد في صناعة الزجاج منذ العهد الفرعوني، ولننظر إلى مقابر بني حسن التي  تنتمي لعصر الدولة الوسطى، تجد الفنان المصري القديم كان حريصاً على تمثيل نافخي الزجاج فوق الجدران،  وفى العصر الروماني انتشرت الصناعة في مصر وسوريا، حتى أن الإمبراطور الروماني “سيفروس” طلب أن يكون جزءً  من جزية مصر من مصنوعاتها الزجاجية، كما قيل إن الإمبراطور نيرون دفع خمسين جنيهاً ذهبية ثمناً لكوبين من الزجاج من صناعة طيبة .

الإسكندرية تنافس

في فجر الإسلام استمرت مصانع مدينة الإسكندرية في إنتاج الزجاج على الرغم من أن مدينة الفسطاط كان فيها أكثر من مصنع للزجاج في القرن الثاني الهجري لكن الإسكندرية انتزعت القيادة منها، وكان صُنّاع الزجاج يقومون بصنع الأوزان الزجاجية والخواتم، التي كان يطبع بها على الأواني لبيان أحجامها المختلفة، كما كانوا يصنعون الأواني الزجاجية والقوارير بمختلف الأشكال والأحجام، وأقدم ما وصلنا حتى الآن من الزجاج الإسلامي المُورّخ هي صنج، وأختام، ومكاييل، أُرسلت إلى والي مصر “قرة بن شريك” التي ترجع إلى عام 90 هجرية .

معايير وألوان

فى العصر الطولوني،، تطلبت مظاهر الترف في قصور القطائع المزيد من إنتاج مصانع الزجاج، وكان الصانع فخوراً بتلك التحف الزجاجية ليسجل عليها توقيعه فخراً وزهواً، منها ما تركه نصير بن أحمد بن هيثم، وكان قد صنعه للأمير ربيعة،  شقيق أحمد بن طولون، الذي قيل إنه قام بثورة ضد ابن أخيه هارون خمارويه وانتهت بالفشل وقتل ربيعة

وفى العصر الفاطمي تطورت صناعة الزجاج كثيراً في الفسطاط ، والفيوم، والشيخ عبادة، والإسكندرية، وقد وصف ناصر خسرو الزجاج المصري، وأشاد بما صنعه وزخرفه برسوم البريق المعدني، وألوان المينا، والزجاج المرسوم بسائل الذهب، وقد أثبت التحليل الكيميائي لألوان المينا المستخدمة في زخرفة المشكاوات، أن هذا الطلاء نصف الشفاف يتكون من ذائب الرصاص، وعندما يضاف إليه أكسيد النحاس يتحول إلى اللون الخضر، وإذا أردنا المينا الحمراء نضيف أكسيد الحديد، بينما تصنع المينا البيضاء المعتمة والمينا الزرقاء من مسحوق اللازورد مع زجاج عديم اللون، أما المينا الصفراء فيتم الحصول عليها بإضافة حامض الأنتيمون .

مراحل التصنيع ..اللون

تبدأ صناعة تلك التحف الفنية، بذرات من الرمل والحجر الجيري وكربونات الصوديوم، بعد تنقيتها من الشوائب، ويتحكم الصانع الماهر في نسبها جميعاً لينتج الزجاج المطلوب، وكان يستخدم الأكاسيد الملونة قبل الصهر ليحصل على الزجاج الملون، فيأتي الزجاج الأزرق من إضافة أكاسيد الكوبلت، والحديد الأحمر والأخضر بإضافة أكسيد الكروم، ولون العقيق من أكسيد النحاس الأحمر،  والزجاج البنفسجي من اكسيد المنجنيز، واللون الأسود من أكسيد النيكل وأكسيد الحديد، أما الأبيض فمن فوسفات الجير .

التشكيل والكتابة

ويأتي دور النافخ ليشكل بدن المشكاة المميز، ليسلمها بعد ذلك ليد المزخرف الذي يمنحها زينتها ووهجها، ولعبت الكتابة دور البطولة في زخرفة المشكاة، ولا غرو في ذلك فقد كانت النقوش الخطية أعظم حلية زخرفية في الفنون الإسلامية، فالحروف العربية تفردت بمرونة في التشكيل بالثني، والاستطالة، والتدوير، والبسط، وتنفيذها على أدق المنتجات كقطعة العملة ونصل السيف، وأضخمها من المنشآت المعمارية، وكانت أهم الكتابات على بدن المشكاة، الآيات القرآنية خاصة الآية 35 من سورة النور ” الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم .” وكذلك الآية 18 من سورة التوبة ” إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ”

وزينت الكتابات النسخية المشكاوات التي تستقر غالباً على أرضية ذات زخارف نباتية، تمثلها لفائف متناسقة تتفرع منها وريقات نباتية وأزهارا محورة .

وفى متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، مشكاة المؤيد شيخ، وتسع عشرة مشكاة باسم السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، ومجموعة أخرى من مشكاوات السلطان الظاهر برقوق .

admin

الرؤية: توفير محتوى عربي مميز
الرسالة: ايصال المعلومة بشكل شيق ومفيد

Add Comment

انقر هنا لإضافة تعليق

الاقسام

اعلانات