مقالات

الفخار”عرفه الفراعنة في أزمنة مبكرة..رسموا عليه حياتهم وبيئتهم

151

عرف المصريون القدماء صناعة الفخار في أزمنة مبكرة تعود إلى فترة ما قبل «الأسرات» (4400 – 3000 ق.م)، وهذا ما تأكد بالعثور على العديد من الأواني الفخارية في مواقع أثرية مختلفة، تعود إلى الحضارات المبكرة في مصر، والمعروفة بأسماء من أهمها: حضارة البداري، حضارة نقادة الأولى، والثانية، والثالثة، وهي حضارات امتد تأثيرها في ربوع مصر وخارجها.

ويقول محمود محمد مندراوي مفتش آثار مصر الوسطي أن الآنية الفخارية ظهرت بأشكال وتصميمات بدائية متنوعة، تدلل على مهارة الفنان القديم في مصر، وسعيه إلى التعبير عن أفكاره ببساطة وبدائية، تمتاز بالصدق والإبداع، في السبيل لإنتاج الجرار والقدور والآنية الطينية والأطباق وغيرها من قطع الفخار المتمايزة في الشكل والحجم، والتي أمكن له أن يشكلها يدوياً من خلال اعتماده على أدوات بسيطة، إلى أن تعرف لاحقاً – في عصر الدولة القديمة ـ على عجلة التشكيل.

وقد اتخذ الفخار المصري في تلك المراحل المبكرة لونين أحدهما فاتح والآخر داكن بحسب طبيعة التربة ومكوناتها وما تحويه من معادن وأكاسيد، ومن ثم جاءت معالجة الرسوم والزخارف والنقوش على أسطح الفخار معتمدة على خاصية التباين اللوني بين الفاتح والداكن، فالفخار فاتح اللون زينه الفخاري برسوم داكنة، والفخار الداكن جاءت رسومه وزخارفه فاتحة اللون.

أما الموضوعات المرسومة على سطوح الفخار المصري القديم، فقد جاءت جميعها مواكبة للبيئة والأجواء الطبيعية التي عاش فيها المصريون في تلك الحقب الغابرة على ضفاف النهر الحاضن والمؤثر في طرائق حياة المصريين وسبل عيشهم التي تحولت إلى الزراعة والاستقرار في كنف النيل الذي قدسه المصريون ومنحوه مكانة تليق بآثاره العميقة على مجتمعهم الآخذ في التحضر والتطور شيئاً فشيئاً، وحينئذ لم يكن هناك مجالٌ لابتكار موضوعات تخيلية، وإن جاء توزيع ومعالجة الموضوعات عبر الأسطح الفخارية أحياناً وفقاً لرؤى تخيلية تحكمها حاجة الفنان وذهنيته المتيقظة.

لقد جاءت الموضوعات المرسومة على آنية الفخار واقعية المضمون، ومستوحاة من البيئتين النهرية والزراعية، ببعض ما تشملانه من عناصر مختلفة، رسمها الفنان المصري بأسلوب بسيط يعتمد فقط على الخطوط والمساحات المصمتة، داكنة أو فاتحة اللون بحسب ما يبدو عليه الإناء المراد تزيينه بالرسوم، وهو ما أوضحناه آنفا.

وقد تنوعت الرسوم ما بين رسوم عضوية تشتمل على البشر والحيوانات والطيور والزهور والنباتات، ورسوم مجردة أقرب إلى المعالجات الزخرفية التي تتوزع في مساحات شتى عبر السطوح الفخارية، إضافة إلى رسوم أخرى لقوارب ذات مجاديف وكبائن قيادة بسيطة وصواري نحيلة وأشرعة. ولعل تلك النوعية من الهيمنة الحادثة على سطوح الفخار المصري القديم للموضوعات النهرية والزراعية، إنما تؤكد بقوة على ذلك الارتباط النادر واللصيق بمقدرات ومقومات الحياة التي أتيحت عبر هذه البسيطة التي تألفت منها مصر وحضاراتها الكبرى المتعاقبة.

وبالنظر إلى بعض النماذج الفخارية المبكرة في مصر، يمكن رصد تطور الخطوط والرموز البسيطة وتحولها لاحقا إلى أشكال دالة ومركبة فقد اصطلح الفنان المصري على استخدام الخط المنكسر للتعبير عن موجات المياه، وهو ما عرف في تاريخ الفن بالمياه الفرعونية، وقد جاء هذا الرمز في الكتابة المصرية القديمة للدلالة على كلمة الماء أيضا.

وقد لجأ الفنان لعدة تقنيات فنية بدائية في تنفيذ رسومه وزخارفه على الفخار المصري، أهمها التلوين باستخدام الأكاسيد الطبيعية التي تمنح الطين المحروق لونه الداكن، إضافة إلى الحفر الذي يستخدم عادة للأسطح الفخارية المحروقة الداكنة اللون، بحيث يبدو الحفر فاتحاً لإبراز الرسوم وتأكيد وضوحها من خلال التباين بين الألوان، وكذلك بين المساحة المصمتة والخطوط النحيلة.

الجدير بالذكر أن النماذج الفخارية المصرية القديمة التي وجدت في مواقع حضارية أهمها الكوم الأحمر، كوبانية، نقادة، المحاسنة، البداري، العمرة، جرزا، أكشا، تحتل مكانها في المتاحف المصرية، وفي متاحف العالم، وبخاصة متحف أيرلندا القومي في دبلن، متحف تاريخ الفن في فيينا، المتحف القومي للآثار في فلورنسا، متحف الآثار القومي في مدريد، متحف ليفربول، وغيرها من متاحف العالم الشهيرة

admin

الرؤية: توفير محتوى عربي مميز
الرسالة: ايصال المعلومة بشكل شيق ومفيد

Add Comment

انقر هنا لإضافة تعليق

الاقسام

اعلانات