الاثار العربية

قورينا التاريخية: هدم الآثار من أجل العقار

39

هدم السكان مؤخرا جانبا من مقبرة قورينا – أقدم مدينة إغريقية بالجهة الشمالية-الشرقية في ليبيا – وهم عازمون على بناء منازل ومتاجر في المكان. ويتحسر مراقبنا –أستاذ الآثار- على جمود السلطات إزاء اختفاء التراث الأثري الثمين.

 

 

بنيت هذه المدينة في القرن السابع قبل الميلاد وهي الأقدم والأهم من بين المدن الإغريقية الواقعة شرق ليبيا والتي أصبح اسمها “برقة”. ولم يبق من عظمة المدينة إلا مقبرة شاسعة مساحتها نحو 10 كيلومترات كانت مستخدمة بين القرنين السادس قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي. وتضم 1200 قبر حفروا في صخرة وآلاف الثوابيت لأفراد وضعت على الأرض مباشرة.

 

 

ورغم أن الميدنة مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، يزعم مزارعون أن لهم حق الملكية في بعض الأقسام من المقبرة وقد أقدموا مؤخرا على هدم قسم بالجرافات لبناء مساكن لهم.

 

 

 

جرافة بصدد الهدم في نهاية تموز/يوليو.

 

“القطع الأثرية رميت كما ترمى القاذورات”

أحمد حسين أستاذ علم الآثار في جامعة البيضاء شرق ليبيا.

 

 

عند المدخل الجنوبي الشريقي للمدينة الأثرية نجد أهم مقبرة قديمة فيها مدافن وثوابيت بنيت في القرن السادس قبل الميلاد. وتنتشر هذه القبور على جانبي الطريق التاريخي المؤدي إلى مدينة قورينا القديمة. ونجد الموقع متدهورا على مدى كيلومترين. وقد هدم نحو 200 قبر ومدفن وجزء من الجسر الذي يعود بناؤه إلى القرن الثاني. ورميت القطع الأثرية في نهر غير بعيد كما ترمى القاذورات.

 

 

 

مراقبنا وهو يتفحص القبور المخربة في تموز/يوليو 2013.

 

 

الناس في ليبيا تعتدّ غالبا بالأعراف والعادات أكثر مما تعتدّ بالقوانين المكتوبة. وبحكم الأعراف، هذه الأرض ملك للعائلات الساكنة في المزارع المجاورة والتي ليس عندها أي وثائق رسمية تثبت ملكيتها. لكن لا أحد يجادل حول حقها في الأرض. وهذه العائلات نفسها لم تكن تتجرأ في عهد معمر القذافي على الاقتراب من الأراضي. واليوم فقد حولتها إلى أراضٍ للبناء تنوي بيعها بالتجزئة -مساحة كل جزء 500 متر مربع- للمقاولين العقاريين والأفراد الذين يمكنهم أن يبنوا عليها مساكن ومتاجر. وما دامت هذه القطع الأرضية بلا أي وثائق رسمية، فهي تباع بأسعار مغرية جدا بلغت 15 ألف دينار للقطعة، أي أدنى من سعر السوق في هذه المنطقة حيث تباع الأرض التي مساحتها 500 متر مربع بيعا قانونيا بسعر يناهز 100 ألف دينار.

 

 

 

هدم جزء من الجسر.

 

 

“وجهت رسالة إلى وزير الثقافة على هاتفه المحمول لكن لا جواب حتى اليوم”

 

 

حاولت بكل جهدي أن أوقف هذه الكارثة. أبلغت إدارة الآثار والسلطات المحلية. واتصلت بوحدة أمن المدينة فأخبروني أنهم لا يستطيعون التدخل إلا بطلب رسمي من السلطات التي لا تحرك ساكنا طبعا…حتى أنني اتصلت هاتفيا بوزير الثقافة وتركت له رسالة على هاتفه المحمول لكن لا جواب حتى اليوم.

 

 

 

مزارعون وضعوا حواجز لتحديد قطع أرضية مساحة كل منها 500 متر مربع بغرض بيعها.

 

 

وفي عين المكان تحدثت مؤخرا مع بعض الملاك فقالوا لي إنهم على استعداد للتخلي عن مشروعهم إذا قبلت الدولة منحهم أرضا غيرها أو تعويضات مالية. الوضع الأمني لا يبرر جمود السلطات على هذا النحو. ليس صعبا عليها أن ترسل بعض رجال حفظ النظام لوقف هذه الجرافات عن الهدّ.

 

 

 

مقابر دائرية بنيت في القرن السادس قبل الميلاد وهي الأقدم في المقبرة.

 

 

اليوم اختفى جزء من هذه المقبرة الأثرية. وسيستفحل الوضع إذا ظلت الدولة جامدة، لأن ذلك سيساعد عائلات أخرى على هدم المقابر الموجودة على أراضيها.

الاقسام

اعلانات