السياحة بالعالم

جزيرة رشقون.. وجهة سياحية وفضاء إيكولوجي وبيولوجي بامتياز

47

تعتبر أول جزيرة تم تصنيفها كمحمية طبيعية ومنطقة رطبة بولاية عين تموشنت بموجب الاتفاقيات الدولية المسماة رمسار، وهي الجزيرة التي تقع على بعد أزيد من ثلاثين كيلومترا غرب الولاية، إنها جزيرة رشقون السياحية والتي تعتبر بالاضافة إلى ذلك واحدة من أهم مقاصد الاصطياف بالولاية ليس لسكان الولاية فحسب، وإنما لكل
الجزائريين والمغتربين وحتى الأجانب خاصة في مثل هذه الفترات الصيفية من كل عام.
ما يميز المنطقة التي ينتعش نشاطها بشكل كبير خلال كل موسم اصطياف من كل عام، أنها آية من آيات الرحمن وإنها صورة طبيعية شبيهة باللوحات التي يرسمها الفنانون، تشكل تزاوجا بين كثافة الغطاء النباتي المتكون من عشرات الاصناف من النباتات بمختلف انواعها ومرتفعات جبلية تتباين فيما بينها اشكالا واحجاما وحتى الوانا من جهة وامتدادت للرمال الذهبية على الشاطئ من جهة اخرى وليس هذا فحسب، بل انها  تجاور عشرات الحدائق الغناء وبساتين الخضروات ومختلف الفواكه منها الموسمية بشكل خاص لا سيما البطيخ بأنواعه والكروم بأصنافها وحتى التين الشوكي، وزادت روعة المنظر الذي لا يمكن مقاومة سحره بوجود جزيرة رشقون المميزة على بعد بضع مئات من الامتار قبالة الساحل. هي الجزيرة التي يحلو لساكنة المنطقة المحليين أن يسموها بجزيرة “ليلى” والتي  تثير فضول واهتمام الكثير من الزوار والسياح والمصطافين خاصة أولئك الذين يزورون المنطقة لأول مرة.
وتمثل الأهمية البالغة في الناحية العلمية التي تتمتع بها، مما دفع بالكثير من الباحثين في علوم البحار والمحيطات والمؤرخين المختصين في علم الآثار والتاريخ إلى إجراء بحوث ودراسات حولها لاسيما الأجانب وبشكل خاص الاوروبيون باعتبار الجزيرة كانت احدى النقاط الاستراتيجية للقوات الاستعمارية الفرنسية خلال فترة الاحتلال. وشيدت بها منارة وبرجا للمراقبة على غرار الخبراء الإيطاليين الذين أنجزوا فيلما وثائقيا علميا حولها صنف ضمن افضل الاشرطة الوثائقية العالمية وتم عرضه خلال برنامج “حولية الفنون” بالعاصمة التركية اسطمبول منذ فترة وأثار اهتمام الكثير من الباحثين آنذاك، مما جعلهم يصنفون الجزيرة بواحدة من المناطق الخصبة التي ينبغي دراستها ويهدف كل ذلك إلى ضرورة حماية هذا المكان الطبيعي الساحر الذي يعد من أهم المواقع المصنفة في التراث الثقافي والتاريخي للجزائر، وما يزيد من أهميتها على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال، أن هذه الأخيرة التي تتربع على مساحة 26هكتارا يعود تاريخ نشأتها إلى عصور ما قبل التاريخ وقد يكون الى ملايين السنين اثناء فترة انشطار اليابسة وبداية تشكل القارات، حسبما أكده المؤرخون من خلال نتائج أبحاثهم، والذين أوضحوا أن البربر الذين استوطنوا شمال إفريقيا بشكل عام والجزائر بوجه خاص، قد سكنوا الجزيرة في فترة تصل إلى عام650 قبل الميلاد وذلك استنادا للقطع الاثرية التي وجدت بالمكان خلال مختلف عمليات البحث والدراسات التي قامت بها بعثات مختصة والتي توجد العديد منها في المتاحف كما قام الفينيقيون أثناء رواج نشاطهم في عرض مياه البحر المتوسط بدخولها خلال القرن السابع قبل الميلاد.
طيور نادرة من سيبيريا تختارها أثناء الهجرة الموسمية
وما زاد في أهمية الجزيرة هو وجود الطيور المهاجرة منها المستقرة ومنها الموسمية والتي تعد بالآلاف والقادمة من اوروبا وبشكل خاص المناطق الاسكندنافية وايضا آسيا وسيبيريا والتي تختار الجزيرة للتكاثر بفضل وجود الامان وأيضا للاستقرار اثناء فترات البرد القارس التي تجتاح شمال الكرة الارضية على غرار النورس والصقر والنسر وغيرها من الطيور الأخرى. وتتخدها بعض الاصناف، نقطة عبور لمواصلة الطريق إلى أعماق إفريقيا والتي يبدو أنها ومع مرور الوقت وجدت ملاذها للتكاثر والانتشار وساهمت ظروف أخرى في ذلك منها وجود كميات هائلة من الاسماك التي تعتبر الغذاء المفضل لهذه الطيور ناهيك عن أوكار طبيعية وحفر هنا وهناك تتخدها الطيور لوضع بيوضها، حيث لايمكن تجاهل منظرها وهي تشكل فسيفساء جميلة بألوانها المنمقة وأشكالها المنوعة لدرجة أن العديد من العائلات والمهتمين والافواج العلمية والثقافية والوفود والبعثات من الجمعيات والطلاب والتلاميذ تتجه نحو المكان خصيصا لالتقاط صور تذكارية لها وغالبا ما يكونون مرفوقين بمرشدين من اجل ذلك.
مخبر طبيعي مفتوح للأبحاث والبعثات العلمية
لا يقتصر الموقع المميز لهذه الجزيرة التي ذاع صيتها وشهرتها حدود بلادنا وأصبحت صورها تزيد العديد من الاماكن العلمية والثقافية وحتى التجارية في العديد من البلدان على هذه الجوانب بل إن هذا الموقع الذي تحتله جزيرة “ليلى” حفز و ما زال كذلك هواة الصيد على الذهاب إليها وصيد أكبر قدر ممكن من السمك في واحدة من اجمل الهوايات التي تمارس من طرف عدد كبير منهم، حاملين معهم الصنارة والشبكة ممتطين زوارق بسيطة وآمنة وكلهم ثقة أنهم سيقضون وقتا ممتعا في هذا المكان الساحر المزدان بأجمل المناظر الطبيعية الخلابة والثروات البحرية الهائلة ويكون الامر كذلك لعدة ساعات امام هدوء الجو وبعيدا عن صخب وضجيج الشاطئ ، إذ لا يحلو الصيد إلا بمشاهدة المخلوقات البحرية النادرة التي لا يمكن رؤيتها بالشاطئ بل وإن الكثير من المصطافين لا يرونها امامهم على غرار الفقمة والدلافين وعجل البحر وهي حيوانات بحرية مميزة تؤدي أجمل الرقصات بالقرب من الجزيرة في مغازلة للإنسان وفي منظر قد يعتقد العديد من الذين يرونه أنه ليس بإحدى المناطق ببلادنا بل وإنها تنافس تلك الصور التي غالبا مايشاهدونها فقط على شاشة التلفزيون خلال برامج الاشرطة الوثائقية، وبعد أن ينهي الصيادون الذين لا يمارسون الصيد بفعل المهنة وإنما فقط كهواية والتنافس بما حملته شباكهم السخية من صيد ثمين حتى تستعد العائلات التي قدمت على متن القوارب لتحضير مستلزمات الشواء والاستمتاع بطعم هذه الأسماك التي اقتنتها  فور اصطيادها وكأنها ترفض أن تفوت هذه اللحظات الحميمية بين أحضان البحر وطراوة نسيمه العليل.
الغواصون يكشفون أسرارها المختبئة
وليس هذا فحسب بل تتزامن كل هذه النشاطات مع إقدام العديد من الشباب على ممارسة هواية السباحة والغوص في أعماق البحر باستعمال معدات ولوازم مخصصة ويتفاجأون بمشاهدة المخلوقات البحرية المتواجدة هناك، من مختلف الاصناف والاحجام والاشكال وحتى بعض النباتات البحرية وتنوع مثير في الصخور وتشكلاتها في أعماق البحر وسمحت كل هذه المعطيات الطبيعية التي صنعها بديع السموات والأرض جل جلاله، بأن تحتل الجزيرة مكانا مميزا ضمن التراث الثقافي والعلمي المحمي ببلادنا بل  تم تصنيفها رسميا ضمن المحميات المصنفة طبقا لاتفاقية رمسار العالمية وهو تصنيف لم يكن ليأتي لولا جهود عدة جهات واقتناع هيئات عالمية بذلك، بل واستيفائها لشروط التصنيف ايضا.
ارتفاع المنارة ونورها ليلا
زادا المكان جمالا
حظيت الجزيرة باهتمام بالغ مند الفترة الاستعمارية، حيث أقامت بها السلطات الفرنسية آنداك منارة بعلو عدة أمتار  وهي تعمل إلى يومنا هذا بفضل برنامج التأهيل الذي أقامته بلادنا بعد الاستقلال وأصبحت بذلك الأضواء المنبعثة من منارة الجزيرة تشكل إحدى الصور الجميلة بها في الفترة الليلية والتي تبقى متواصلة إلى غاية الساعات الأولى من فجر اليوم الموالي صيفا وشتاء وربيعا وخريفا والتي تنير بقناديلها ليالي شاطئ رشقون الساحرة والتي يصلها ضوؤها وكأنه قمر، فالمنارة يصل أقصى ارتفاع لها إلى81 مترا وهو ارتفاع وعلو كفيل بمشاهدتها من على بعد 16 ميلا بحريا في عرض مياه البحر الابيض المتوسط وهو ما يعادل نحو 29 كيلومترا من المكان، إلا ان ومضاتها الضوئية ذات التكنولوجيات العالمية والتي تتطابق مع معايير الملاحة العالمية، تجعل كل من يتأملها وكأنه قريب منها إلى أبعد الحدود، وبالاضافة إلى دورها السياحي، فإن المنارة فاق عمرها 140 عاما وشيدت عام1870 من طرف قوات الاحتلال الفرنسي بغرض مراقبة السواحل الجزائرية وأيضا حركة المرور غرب البحر المتوسط ومنه إلى مضيق جبل طارق في فترة كانت الدول الأوروبية تتكالب على احتلال العالم العربي وإفريقيا، وأكد العديد من المؤرخين في عدة كتب أن من بين الشخصيات الهامة التي  مرت بهذه المنارة يوجد نابوليون الثالث بحكم أنها كانت موقعا استراتيجيا للجيش الفرنسي. كما ان الجزيرة كانت ابان دولة الامير عبد القادر ونجاحاته الباهرة ضد جنيرالات فرنسا نقطة يستلم فيها جنوده الأسلحة التي كانت تورد له من عدة مناطق، ومن بين اهم المهام التي تضطلع بها الجزيرة والمنارة على حد السواء، مهمة أزلية فإنها تستعمل في توجيه ملاحة السفن العابرة من خليج الغزوات التجاري ولنقل المسافرين على مستوى موانئ الجهة الغربية من الجزائر لا سيما تلك القريبة منها.

admin

الرؤية: توفير محتوى عربي مميز
الرسالة: ايصال المعلومة بشكل شيق ومفيد

Add Comment

انقر هنا لإضافة تعليق

الاقسام

اعلانات