مقالات

«معرض صيدا 15 عاماً من الاكتشافات الفريدة»

113

آثار صيدا تجسّد المحبة بين أبنائها المسلمين والمسيحيين

كلود ضومط: المعرض يكشف أهمية الإرث الثقافي والتاريخي لصيدا ولبنان

خمسة آلاف سنة من تاريخ صيدا كانت لتكون طي النسيان لولا جهود التنقيبات التي بدأت فعلياً من 15 عاماً، والتي قام بها «المتحف البريطاني» بالتعاون مع «المديرية العامة للآثار»…
طوال هذه السنوات من التنقيب، تكتشف في كل يوم كنوز تاريخية جديدة، فمدينة صيدا ليست حديثة الولادة بل عريقة التاريخ والحضارة، ولطالما كانت جوّادة بالبشر والحجر، لدرجة أن تاريخ صيدا لم يعد يحتمل انتظاراً حتى انتهاء العمل بالمتحف، المقرر إنشاؤه في حفرية الفرير في منطقة الشاكرية، حتى تقرر أن يكون «معرض صيدا 15 عاماً من الاكتشافات الفريدة» عيّنة صغيرة من تاريخ كبير وطويل…
والمعرض الذي يستمر شهراً كاملاً حتى 3 تشرين الأول المقبل، في مركز المديرية العامة للآثار في صيدا في محلة البوابة الفوقا، يكشف للمرة الأولى عن جزء من ماضي المدينة، إذ يقدّم أبرز 43 قطعة أثرية اكتشفت خلال 15 عاماً من حفرية «الفرير» الأثريةـ والتي قام بها المتحف البريطاني بالتعاون مع المديرية العامة للآثار، فضلاً عن أنه يقدّم لمحة عن متحف صيدا المستقبلي الذي سيحتوي على 1400 قطعة أثرية تم اكتشافها في ذات الموقع…
«لــــواء صيدا والجنوب» واكب تفاصيل المعرض واطلع على القطع الأثرية المعروضة فيه، واستمع إلى آراء عدد من المشرفين عليه والمشاركين فيه…

تاريخ.. وحضارة
تدوّن الآثار تاريخ الإنسان وحضارته ونمط عيشه وعاداته وتقاليده، وكلما مر عليه الزمن باتت أكثر أهمية من حيث القيمة المعنوية، والآثار في مدينة صيدا تبدو نادرة إذ لا تكشف تاريخ المدينة وحدها، بل تاريخ كل لبنان في مشهد نادر، كما هو الحال في حفرية «الفرير» الذي استمر العمل فيها 15 عاما وما زالت تكشف المزيد.
{ وأشارت رئيسة بعثة المتحف البريطاني الدكتورة كلود ضومط سرحال، إلى «أن أهمية المعرض تتمثل بأنه الأول في «عاصمة الجنوب» صيدا، إذ جرت العادة أن تقام مثل هذه المعارض في العاصمة اللبنانية بيروت، وانه يتزامن مع ذكرى مرور 15 عاماً على انطلاق أعمال التنقيب في حفرية «الفرير» الأهم والأشهر في لبنان، وقد جاء ثمرة جهود وتعاون بين وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار في لبنان ممثلة بالسيدة ميريام زيادة، وبفضل بلدية صيدا ورئيسها المهندس محمد السعودي، والمَعونة السخية التي تفضّلت بها «مؤسسة فيليب جبر»، إذ انه المموّل الوحيد لهذا المعرض، فكانت يده البيضاء صاحبة الفضل على المعرض وبالتالي على تحقيقه ونجاحه».
وأضافت: «اِن 15 عاماً من أعمال التنقيب و5 آلاف سنة من حضارة المجد في أرض صيدا العزيزة تُعلمنا التواضع، وينبغي تجاه هذا التواضع، أن نذكر دخول هذا التاريخ في صميم حياتنا اليومية يُذكرنا أن أجدادَنا مروا مثلَنا بمراحل صعودٍ وهبوطٍ وبحوادث سلبية فواجهوا كثيراً من البلايا فردوا عنهم التي هي أسوأ بالتي هي أحسن. كما لا يخفى على من اطلعوا على تاريخ هذه الشواطئ التي عَرَفَت المحتلين ثم شاهدتهم يرحلون عنها في نهاية الأمر كأن التاريخ يُعيد نفسَه في بعض الأحيان جيلاً بعد جيل».
وتابعت: «في خلال الـ 15 سنة الأخيرة من العمل في هذا المشروع أَن نقول إِن صيدانا الغالية لم يتخلَّ عنها أهلُها بل صمدوا في وجه الحوادث والأحداث فكانوا مِثَال الرُجولة والبطولة في وجه المغتصِبين، فاستمرت الحياة في صيدا إستمراراً عجيباً إذ دافع عنها أهلُها، فبقي ميناء صيدا واسع الإنفتاح على الخارج مما أتاح لأهل صيدا وتوابعها الإستمرار جيلاً بعد جيل في ما هو في قلب تاريخ البلاد».
وختمت الدكتورة ضومط: «لا يَسعْنا إلاّ أن نذكر أن السَلَفْ الصالح علَّمَنا أُمثولةً جاوزت صيدا، في ما نتمنّى، إلى سائر البلاد وأهلِها الذينَ بثَباتِهم وعِنادهم وتمسك كل فئةٍ منهم بمعظم الفئات الأخرى، فدوَّن التاريخ أن صيدا كانت قُدوةً في المحافظة على وحدة الكِيانِ برَغْم تعدّد طوائفها ومذاهِبها كأن الإختلاف يتغلب على الخِلاف».
صورة متكاملة
{ وبعد مرور 3 أشهر على توقيع عقد تنفيذ مشروع المتحف الوطني لمدينة صيدا، أكد رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي «أن العمل سينتهي منه قريباً، ليحتضن تاريخ المدينة وكل المكتشفات الخاصة بها، ولا سيما مكتشفات موقع «الفرير» التي تعطي صورة متكاملة ومترابطة عن تاريخ صيدا، بين الحقبة الزمنية الممتدة من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد إلى العصر العباسي».
وأضاف: «لقد مرت على مدينتنا كل هذه السنين، وطمست بعض المعالم بفعل الجغرافيا والعوامل الطبيعية، ولم يسجل التاريخ أن مدينتنا إنقسمت على نفسها ودمر سكانها بيوت بعضهم البعض، بل على العكس، لطالما كان سكان صيدا مدرسة في العيش الواحد، هذه السمة التاريخية للمدينة، لم تدفن مع التاريخ، بل لا تزال حتى هذا اليوم ظاهرة في التماسك والتلاحم الذي تظهره صيدا ضد أي مظهر فتنوي يبغي التفرقة بين أبناء البلد الواحد على أساس انتماء ديني أو طائفي».
وختم السعودي: في معرض مكتشفات مدينة صيدا، تجد أثر السيد المسيح (عليه السلام) في المحبة بين أبنائها المسلمين والمسيحيين، وتجد نقوشا لشهادة «لا اله إلا الله محمد رسول الله» من أيام زمن لم يميّز بين سنة وشيعة».
مسابقة.. وابتكار
{ مسؤولة مكتب الآثار في صيدا ميريام زيادة، أكدت «أن المعرض يحكي قصة المكتشفات الأثرية والتاريخية والحضارية التي نفذتها بعثة المتحف البريطاني منذ العام 1998 بعدما منحت المديريّة العامة للآثار في لبنان امتيازاً للمتحف البريطاني للقيام بأعمال تنقيب في موقع «الفرير» في صيدا وهو يُبرز تسلسلاً للأحداث التاريخيّة على مدى 5 آلاف سنة، بدءاً من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد حتى العصور الوسطى».
وقالت: «إن الهدف من المعرض إشراك أكبر عدد ممكن من تلاميذ المدارس والطلاب، حيث تم تنظيم مسابقة رسم تحت عنوان: «أسلافنا كانوا مثلنا»، بالتعاون مع مؤسّسة فابريانو لصناعة الورق والقرطاسية وسيقوم التلاميذ بزيارة الموقع الأثري للتعرّف إلى طريقة عيش أجدادنا وإيجاد النقاط المُشتركة بين العادات القديمة والحديثة ليقوموا بعدها بتجسيدها برسم من ابتكارهم، علما أن الدخول إليه مجاني».

المهندس محمد السعودي يستمع إلى شرح ضومط من القطع الأثرية في حفرية «الفرير»
المتعبّد الصيدوني المعروضات الأثرية في صيدا
جانب آخر من المكتشفات

الاقسام

اعلانات