مقالات

برج ”باب تونس”.. حصن عثماني في ذاكرة البحر المتوسط

64

تاريخ تونس لا يصور ذاكرة دولة مسلمة، بقدر ما هو تأريخ للذاكرة الجماعية للحضارات، التي تعاقبت على هذه الأرض ، عبر العصور، وما تركت من علامات، وفي مقدمتها برج “لازاريت”، الذي ينتصب على شاطئ مدينة غار الملح (شمال غرب)، المعروفة بـ”المدينة الحالمة”.
البرج الذي بات يعرف بـ”باب تونس” من أهم المعالم الأثرية في الشمال الغربي للبلاد، وهو آخر ما شيده العثمانيون في تونس، التي مرت على أرضها الإمبراطورية القرطاجية والرومانية وغيرهما، قبل أن تعرف حقبة الفتح الإسلامي (منذ عام 27 هجرية، 647 ميلادية في عهد الخليفة عثمان بن عفان)، التي انتهت بانتصار العثمانيين على الإسبان، وطردهم نهائيا من تونس عام 1574م.
وأنجز البرج سنة 1659، بالتزامن مع تشييد حصنين آخرين، أحدهما يطلق عليه أهل المنطقة “الحصن الوسطاني”، والثاني “الحصن اللوطاني”.
واعتبرت السلطات التونسية المعنية، حصن باب تونس من المعالم الأثرية منذ العام 1922، ومن المرتقب أن يتم ترميمه قريبا، بهدف جعله متحفا أثريا، في إطار برنامج تنشيط السياحة الثقافية في تونس، وقد تم التوافق حول ذلك إثر الزيارة الأخيرة، التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس أوائل حزيران الماضي، برفقة عدد من وزرائه.

وبحسب عماد صولة ، الباحث في المعهد الوطني للتراث بتونس، فإن “الأبراج الثلاثة تحمل أنماطا معمارية دفاعية، يختلف أحدها عن الآخر ، ويعود أصلها جميعا إلى العهد العثماني، وكان الهدف من تشييدها صد الإسبان، كما تحول حصن باب تونس، في الفترة الاستعمارية من 1881 إلى 1956 إلى سجن فرنسي”.

من جانبه، كشف الحرفي مصطفى قدور أن “الحصن عادة ما يتم استغلاله من قبل سكان المنطقة في المناسبات، والأفراح ، والمعارض الكبرى”، مؤكدا أنه “لأول مرة يتم في بهو البرج هذه السنة إحياء اليوم العالمي للسياحة، الموافق 27 أيلول/ سبتمبر من كل عام، حيث أقيمت معارض للصناعات التقليدية، كالتطريز والحياكة وكذلك تم عرض الأكلات الشعبية الموجودة بالمنطقة، إلى جانب معرض صغير للصور الكاريكاتورية، ووصلات للحضرة التونسية (مجلس ذكر صوفي)”.

وقام قدور المتخصص في صناعة القوارب الصغيرة واللوحات الزيتية بعرض منتجاته، التي تصور معالم المنطقة ومفاتنها، على غرار أبراجها العسكرية، ومينائها القديم، وجامعها الكبير، وشاطئها الطويل، وجبلها.

ويبقى برج باب تونس ، مستعدا لاستقبالك فور وصولك إلى غار الملح الساحلية التي تضم 3 حصون وميناءً عسكريا، وهي إحدى مدن محافظة بنزرت (شمال)، وتفصلها عن العاصمة نحو 64 كيلومترا، ويحدها البحر الأبيض المتوسط شمالا، ومحافظة باجة جنوبا.

ويبدو برج “باب تونس” دائري الشكل من الخارج، يحيطه الخندق المائي الخارجي من مختلف جوانبه، وهو ما يشكل خطأ دفاعيًا للبرج.

أما المنفذ الوحيد للبرج حاليا فهو بابه الرئيسي المطل على المدينة، تتصدره لوحة تعريفية باللغة العثمانية، كما كان الحصن مجهزا في العهد العثماني بقنطرة متحركة تستعمل عند الحاجة.

وبعد أن تتجاوز المدخل تجد نفسك وسط البهو الرئيسي للحصن، الذي صمم على شكل مستطيل طوله 46 مترا وعرضه 23 مترا.

وفي الجانب الأيمن من البهو الرئيسي يقع مصلى صغير، تتدلى من سقفه ثرية نحاسية، بقيت محتفظة برونقها رغم تعاقب العصور.

وتتوسط البهو ساعة شمسية، منبسطة على الأرض، وقد اتخذت نفس الشكل الذي شيد عليه الحصن.

يذكر أن الساعة الشمسية هي أول ساعة اخترعها الإنسان، واستخدمها العرب والمسلمون لتحديد أوقات الصلاة، اعتمادا على قياس زاوية انحراف ظل الشمس.

أما سقف البرج فهو عامر بالزخارف العثمانية، على خلاف أرضيته المسطحة الرطبة العارية من البلاط.

ويعد برج باب تونس بمثابة قلعة محكمة البناء تم تشييدها باستعمال الحجر الأصفر المائل إلى الحمرة، وتضم نحو 28 غرفة، منها 12غرفة سفلية، مجهزة بفتحات مخصصة لوضع المدافع، وبقية الغرف الأخرى مخصصة لتخزين المؤن وإيواء الجيوش، ومن فوقها تم تشييد حوالي 6 غرف تنفتح الواحدة على الأخرى مما يجعلها بمثابة غرفة واسعة تتخللها أقواس صغيرة.

ومن سطح الحصن تكتشف أن الجزء الشمالي منه يطل على قرية غار الملح الجبلية، أما الجزء الجنوبي فيشرف مباشرة على البحر.

وتأسست قرية غار الملح عام 1637، حيث جلب إليها فوج من الأندلسيين المهاجرين، الذين طردهم ملوك إسبانيا في عام 1609، وبحسب المؤرخين، تعود تسميتها إلى تلك الملاحات الطبيعية الموجودة بالقرب منها، حيث كان أهلها يعملون في صناعة الملح، ويخزنون المنتج في كهوف كثيرة، توجد بجبل الناظور المشرف على القرية.

وتزخر تونس اليوم بنحو 1200 معلم تاريخي موزعة على مختلف محافظات البلاد من شمالها حتى جنوبها.

الاقسام

اعلانات